قوله تعالى : (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ).
الجنة : البستان الكثير الشجر ، لأنّها تجنّه أي : تستره ، والربوة ـ مثلّث الفاء ـ : المحلّ المرتفع ، والطلّ : صغار المطر ، والأكل ـ بالضم ـ جمع أكلة : ما يؤكل من الشيء.
وإنّما شبّه سبحانه وتعالى بالجنة التي فوق الأرض المرتفعة لأنّها أزكى ثمارا وأعظم نماء وأنقى هواء وأبهج منظرا وأبعد عمّا يضر بالأشجار من المياه العفنة وفساد المستنقعات ، فإذا أصاب هذه الجنة المطر الغزير كانت أسرع نموّا ، وأحسن تنمية وأكثر ثمرا مثلا ما تكون في سائر الجنان وأجودها ، وكذا لو أصابها مطر ضعيف فإنّ الأثر فيها كذلك لكرم منبتها وجودة مغرسها ، وحسن موقعها.
والغرض من المثل بيان أنّ الأثر يترتب على الإنفاق في مرضاة الله تعالى من دون أن يتخلّف كمثل الجنة التي فوق الأرض المرتفعة إذا أصابها المطر فإنّه يجنى ثمارها بأحسن وجه كذلك الإنفاق في مرضاة الله تعالى فإنّ آثاره حسنة لاتصاله بالله تعالى فتشمل عنايته له وقبوله عزوجل له بأحسن قبول وخيره دائم وبره أبدي لا يزول وإن كان مختلفا باختلاف مراتب الخلوص والإخلاص ، ولكن أصل الإنفاق محبوب لديه لكونه في مرضاة الله تعالى وخلوصه عما يشينه ويفسده.
قوله تعالى : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
أي : والله يعلم نيات عباده ومراتب إنفاقهم بصير بأفعالهم فهو يجازي كلّ فرد حسب مراتب الخلوص والإخلاص لا يشتبه عليه أمرهم ، وفيه تأكيد على اختلاف مراتب الثواب تبعا لاختلاف مراتب النيات ، وتحذير للمنفقين من الرياء والنوايا الباطلة فإنّ الله بها عليم.
وفي هذه الآية الشريفة كمال الاهتمام بأمر الإنفاق وشدة العطف بالمنفقين ، تبتهج إليها النفوس ، وتشعر بالطمأنينة والراحة حين الإنفاق