والمثل يبيّن شدة الاحتياج وغاية الانقطاع ، ومنتهى الأمل والرجاء فإنّ الإنسان إذا كبر وشاخ احتاج إلى غيره في رفع نوائبه وقضاء حوائجه وليس له غير تلك الجنة التي قد عقد عليها آماله ويرتجى منها كلّ شيء وله من الذرية الضعفاء الذين لا يقدرون على العمل ولا يستطيعون الكسب والقيام بأيّ شأن من الشؤون فهم عالة عليه ففي مثل هذه الحالة يأتي على جنته الإعصار فيحرقها ويبدد آماله وينقطع رجاؤه فلا يقدر هو وذريته على شيء.
وقد جمع سبحانه في هذه الآية الشريفة جميع ما يوجب الانقطاع والحاجة ، وانعدام المعين والناصر ، والأمل الكبير ، فلو كان صاحب الجنّة شابا أو شيخا وحيدا ليس له ذرية أو كان معه ذرية أقوياء يمكنهم القيام بشؤونهم لما أفاد ذلك تلك الصورة التي تحصل من الآية الشريفة.
ووجه التمثيل أنّ الذي ينفق أمواله يعقد عليه آماله في الحصول على ما يترتب عليه من الآثار في الدنيا والآخرة فإذا عقّب إنفاقه المنّ أو الأذى أو سائر ما يوجب حبطه فإنّها تحرقه ويذهب هدرا لا يجني منه شيئا مع شدة احتياجه إلى ثمراته.
قوله تعالى : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ).
أي : كذلك يرشدنا الله تعالى إلى كشف الحقائق وبيان الدقائق.
قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ).
رجى منهم التفكر في حالهم لأنّ الإنسان قرين الشهوات والأوهام لا تدع فيه مجالا للتفكر والرجوع إلى الرشد فلا بد من تثبيت النفس والعزيمة عند العمل والإخلاص لله تعالى.
وهذه الآية المباركة تبيّن حقيقة ما عليه الدنيا والآخرة فإنّ الأولى تكون زائلة فانية يعتريها الفساد والتبدل والانقضاء والانصراف فهي كبرق خاطف أليف الهم والغم بخلاف الثانية فإنّها دار أنس ومقام لا يفنى نعيمها ولا تنعدم