للإنسان دون ما يريده الشيطان.
والشيطان ـ سواء كانت نونه أصلية أو زائدة من شاط ـ معروف في جميع الملل والأديان وهو اسم لذلك المخلوق الناري الذي هو مثال لكلّ شرّ ورذيلة مهلكة والمعاصي الموبقة ، ويطلق على كلّ غاو من الجن والإنس والحيوان ، وله وجود جمعي وانبساطي مضل للإنسان كما نطق به الكتاب العزيز في مواضع كثيرة منه قال تعالى : (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) [الإسراء ـ ٥٣] ، ولكن بالعقل وجنوده يمكن إرغامه والتغلب عليه فهو وجنوده يضادان الشيطان وينافيانه في جميع الشؤون والحالات وهو في المنطقة السّفلى ، والعقل وجنوده في المنطقة العليا وبينهما الخصام الشديد والنزاع الأكيد في جميع الأطوار والحالات حتّى يفرّق الله تعالى بينهما بالموت ، فإنّ الشيطان مرجوم في غير هذا العالم وليس له سلطان فيه ، ولذا كانت الدنيا سجن المؤمن ودار البلية ولا سجن أعظم ولا بلية أشد من الابتلاء بهذا الخبيث وسيأتي في الموضوع المناسب الكلام في الشيطان مفصّلا إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً).
الوعد من الإنشاء لا من الإخبار فلا يتصف بالصدق والكذب بل يتصف بالوفاء به وعدمه وهو المراد بصدق الوعد وكذبه. ويستعمل في الخير والشر ولكن الإيعاد يستعمل في الشرّ فقط.
ومادة (غفر) بمعنى صون اللباس عن الدنس والوسخ قالوا : غفّر ثوبك في الوعاء واصبغ ثوبك فإنّه أغفر للوسخ. وغفران الله ومغفرته للعبد هو صونه عن العذاب.
والفضل الزيادة عن الاقتصاد ، ويختلف في المدح والذم باختلاف متعلّقه ففضل العلم والحلم ممدوح ، وفضل الغضب مذموم ، وما كان من الله تعالى فلا حدّ له.
وفي ذكر وعد الله بالمغفرة والفضل مقابل وعد الشيطان بالفقر والفحشاء إرشاد إلى اختيار الإنسان ما هو الأصلح له.