حظي بالخير الكثير فلا يحتاج الانتساب إلى الفاعل في توصيفها به.
وتوصيف الخير بالكثير لبيان أنّ الحكمة من جميع جهاتها خير كثير كما عرفت آنفا فيكون القيد توضيحيا ومن مقومات ذاتها ويشهد لذلك ما نسب إلى عليّ (عليهالسلام) : «علّمني رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ألف باب يفتح من كلّ باب ألف باب» وعن ابنه الصادق (عليهالسلام) : «إنّما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرّعوا».
ويستفاد من الآية الشريفة : أهمية الحكمة وعظيم منزلتها وشرافتها من وجوه :
الأول : ذكرها في سياق فضل الله تعالى وهو واسع عليم.
الثاني : تعليق إتيانها على من يشاء وهم خلّص عباده فيفهم من ذلك أن ليس لكلّ أحد الوصول إليها الا بعناية منه عزوجل.
الثالث : توصيفها بالخير الكثير.
الرابع : الحصر المستفاد من قوله تعالى : (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) فإنّه يدل على أنّهم المتيقنون من مورد المشيئة لإفاضة الحكمة.
الخامس : ذكرها في القرآن الكريم مقرونا بالتجليل والتعظيم فتكون هذه الموهبة الربانية نصيب من أفنى جميع شؤونه الإمكانية في مرضاة ربه وصار قلبه متيّما بحبه وولها في عظمته ولم يكن له بقاء الا منه تعالى وبه عزوجل. وحينئذ تصير ذاته ونفسه حكمة جوهرية وأعماله حكمة عملية ، وأفكاره حكمة علمية ، وهم الذين ثبت الحق في ضمائرهم ، وازهق الباطل عن سرائرهم ، وانقشعت عن بصائرهم سحائب الارتياب وعن قلوبهم أغشية المرية والحجاب ، ففازوا بالمحل الأعلى ، وحازوا القدح المعلّى ، ونظروا إلى جميع ما سوى الله تعالى بالنظرة الاولى ، وحيث إنّ لهذا المقام مراتب كثيرة من الظهور ، وكلّما كثرت مظاهر الشيء كثرت أسماؤه فقد تكون الحكمة القرآن الذي يعمل به وقد تكون السنة المقدسة والعمل بها ، والعلم بحقايق الموجودات مع الالتفات إليها من حيث المبدأ والمنتهى.