والمستفاد من الكتاب الكريم والسنة المقدّسة أنّ الصّدقات مطلقا إنّما شرّعت لأجل الصرف على الفقراء ، فهم الأصل في تشريعها ، وتقتضيه القاعدة العقلية وهي (تقديم الأهم على المهم).
والصّدقات مطلقا ـ واجبة كانت أو مندوبة ـ متقوّمة بقصد القربة فإذا لم يرد بها وجه الله تعالى فهي باطلة لا ثمرة لها ولا تبرئ الذمة لو كانت من الواجبة وقد عرفت سابقا أنّ الإضافة إليه عزوجل في كلّ عمل هي بمنزلة روح ذلك العمل ولا أثر لجسد إذا فقد منه الروح.
ونعمّا هي أي نعم شيء هي ، وهو ثناء على إبداء الصدقة ، وقد اختلف في قراءتها فالمشهور قراءتها بكسر النون والعين ، وقرأ بعضهم بكسر النون وسكون العين «فنعما». وقرأ ثالث بفتح النون وكسر العين (فنعمّا).
وما في (نعمّا) في موضع نصب ، وقيل «هي» تفسير للفاعل المضمر قبل الذكر فالفاعل هو الإبداء ثم حذف وأقيم ضمير الصدقات مكانه ولكنّه لا يخلو عن تكلّف بل الفاعل نفس الصدقة أي : الصّدقة نعم الشيء في ذاتها فيكون الإبداء والإخفاء من عوارضها التي لا تغيّر وجه الحسن في نفس الذات ما لم يطرأ عليها ما يبطلها.
وكيف كان ففي الآية الشريفة ثناء على إبداء الصّدقات وأنّ الإبداء لها لا يذهب آثارها إذا كانت لوجه الله تعالى ما لم يعرض عليها ما يبطلها كالرياء والمنّ والأذى لأنّ صدقة العلن أكثر نتاجا وأبعد أثرا.
قوله تعالى : (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).
لأنّ الإخفاء أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء وفيه حفظ عزة الفقير وإكرام له وتقدم سابقا أنّ الإسلام إنّما يراعي في جميع التكاليف جانب الخلوص والإخلاص فكلّما كان الشيء أقرب إلى الإخلاص كان أهمّ وأعظم وأظهر ولذا كانت صدقة السرّ أفضل من صدقة العلن مطلقا وخيرا منها وفي الحديث : «إنّ صدقة السرّ تطفي غضب الرب» وسيأتي في البحث الروائي ما يدل على ذلك.