ومن توجيه الخطاب إلى الرسول (صلىاللهعليهوآله) دون الجميع فيه حفظ لشؤونهم وصون لجاههم لأنّهم أرادوا حفظ أنفسهم بالتعفف ، ولا يستفاد من الآية الشريفة أنّ معرفة حالهم منحصرة بالسيماء فقط. بل لها طرق اخرى كما هو معلوم.
قوله تعالى : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً).
هذه هي الصفة السادسة. والإلحاف كالإلحاح لفظا ومعنى ، وأصله من اللحاف وهو ما يغطّي الإنسان ويحيط به ، وكثرة السؤال مذمومة الا من الله تعالى فإنّه عزوجل يحب الإلحاح إليه في الدعاء.
أي : مع شدّة حاجتهم وتمادي الفقر بهم لا يسألون الناس سؤال الإلحاح.
والجملة تحتمل معنيين :
الأول : أنّهم لا يسألون الناس إلا ما دعت الحاجة والضرورة إليه أي : نفي الإلحاف دون أصل السؤال.
والثاني : أنّها كناية عن نفي السؤال أبدا لأنّ كثرة تعففهم أوجب الانقطاع عن الناس وعدم السؤال منهم أبدا ، فيكون صرف السؤال ولو مرة واحدة منهم إلحافا كما في قوله تعالى : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت ـ ٤٦] ، فإنّ صرف انتساب الظلم إليه منشئ لصدق الظلّامية بالنسبة إليه جلّ جلاله وذلك كثير في الاستعمالات الفصيحة والأساليب البلاغية فيستعظم الفعل لأجل أهمية الفاعل وعظمته وفي الآيات المباركة والسنة الشريفة شواهد لما قلناه.
والصحيح أنّ النفوس تختلف في ذلك فإنّ من انقطع إلى الله تعالى ولازم العفة بحيث ظهرت على جميع جوارحه وأفعاله وأقواله لا يسأل الناس أبدا لأنّه ينافي الانقطاع إليه عزوجل فضلا عن الإلحاف في السؤال الا إذا أذن الشارع فيه حفظا للنظام ولا ينافي ذلك فضل التعفف فيهم فإنّ السؤال قد يكون واجبا وقد يكون مندوبا.