النقيضين بدوا وترتيب الأثر عليه بلا تفكر في الطرف الآخر لا في الحال ولا في المآل. وهذه صفة رذيلة بخلاف الظنّ الذي هو ملاحظة الطرفين والحكم بالراجح منهما ، وقد يطلق الحسبان على الظن وبالعكس.
وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم بهيئات مختلفة قال تعالى : (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت ـ ٢] ، وقال تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران ـ ١٤٢].
والتعفف : التلبس بالعفّة وهي حالة تحصل للنفس تمنعها عن غلبة الشهوة وهي من الصفات الممدوحة ومن مكارم الأخلاق ، بل من علامات العقل وفي الحديث : «أفضل العباد العفاف» ولها مراتب كثيرة أعلاها : استيلاء العقل على جميع القوى الشهوانية بحيث تأتمر النفس بأوامره وتنزجر عن نهيه وهي أعلى مراتب الإيمان لأنّ «العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان». و «من» في قوله تعالى : (مِنَ التَّعَفُّفِ) لابتداء الغاية أو لبيان الجنس.
والمعنى : يتخيل الجاهل بأحوالهم أنّهم أغنياء لكثرة ملازمتهم للعفّة وترك سؤال الناس وإظهار حوائجهم إليهم.
ويستفاد من قوله تعالى : (مِنَ التَّعَفُّفِ) الدال على كثرة ملازمتهم لهذه الصفة المبالغ فيها أنّهم غير متظاهرين بالفقر ولا يظهر عليهم أثر الحاجة والمسكنة الا ما خرج عن القدرة وما لا سبيل لهم إلى ستره.
قوله تعالى : (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ).
هذه هي الصفة الخامسة والسيماء والسماء : العلامة أي : يعرفون بالعلامات الظاهرة الدالة على أحوالهم نظير قول عليّ (عليهالسلام) في وصف المتقين : «يخال مرضى وما بالقوم من مرض» فكأنّ السيماء تكفي في تعريف حالهم وأنّهم في شدة الحاجة والخصاصة.