التقوى. ووعد منه تعالى بتعليم من اتقاه ، والآية الشريفة قضية عقلية فإنّ النفس الناطقة الإنسانية ليست من الماديات المحضة ، كما هو ثابت بالوجدان والبرهان. ولها نحو تجرد فكلّ ما يفاض عليها لا بد أن يكون من عالم الغيب وأعظم أبواب عالم الغيب إنّما هو باب التقوى وهي الارتباط الخاص مع ذلك العالم ، ولم يبلغ الأنبياء والأوصياء والصالحون إلى ما بلغوا من العلوم والمعارف الإلهيّة إلا بالتقوى ، وتحمّل المصاعب والمتاعب في جنب الله تعالى ، والحرمان عن جملة من الشهوات والمستلذات ، وليست التقوى سببا تاما في إفاضة العلم بل لا بد من تسبيب سائر الأسباب ، ولكن التقوى بمنزلة الروح لها.
ولعلّ إلى ذلك يشير تخلّل واو العطف وتكرار اسم الجلالة (وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ).
والتقوى تصفي القلب من الكدورات المادية ، فيستعد لإفاضة النور عليه.
وعن جمع من الإشراقيين أنّ العلم إنّما يكون بتصفية النفس وتطهير القلب عن كلّ دنس وريب ، وقد ورد في الحديث : «ليس العلم بكثرة التعليم والتعلم وإنّما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء» وفيه أيضا : «من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لا يعلم» وفي ذلك أحاديث كثيرة ، والتجربة أكبر شاهد عليه.
وفي الآية المباركة الموعظة الحسنة والتحريض إلى التقوى والعمل بما أنزله الله من الأحكام فإنّه طريق إلى العلم الصحيح النافع.
قوله تعالى : (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
أي : إنّ الله عليم بحالكم وما هو الأصلح لكم في الدنيا والآخرة فاتقوه ليرشدكم إليه.
والآية الشريفة بمنزلة التعليل لما تقدم ، وقد وضع الظاهر موضع المضمر لبيان أنّه المطلوب وهو الله العالم بكلّ شيء.