الإعراض عما أنزله الله تعالى وعدم الايتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه يكون ظلما على نفس المكلّف حيث حملها على الانحراف عن السعادة والصراط المستقيم وما أعده الله تعالى له من الكمال فهو بين اثنين القلق والاضطراب والذل في الدنيا ، والتعرّض لسخط الله تعالى في العقبى ، فلا تختص هذه الحكمة بالمقام بل تشمل جميع التكاليف الشرعية ومثل ذلك كثير في القرآن الكريم.
الخامس : يدل قوله تعالى : (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) على وجوب احترام حدود الله تعالى وأحكامه. وحرمة التهاون بها والتواني في العمل بها والإيراد عليها لأنّه يعدّ استهزاء بأحكامه المقدّسة التي شرعها لمصالح العباد.
السادس : يدل قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) أنّ ذكر النّعم التي أنعمها الله تعالى على الإنسان يوجب معرفة المنعم والإقبال عليه والمعرفة تحدث الموعظة والعبرة وهما تبعثان على الطاعة والامتثال ، فإنّ المراد من الذكر هو اكتساب ما يرتضيه الله تعالى والاجتناب عما يسخطه بالجوارح والأركان والقلب واللسان حتى تثبت بذلك صفة نفسانية راسخة باعثة على انبعاث جميع قوى الإنسان عن هذا العزم الحسن والنية الصادقة وهي موجبة لكمال النفس ، ومن عجيب أمرها أنّ معلول النفس يؤثر في العلّة وذاتياتها ، ففي الذكر يتجلّى السّفر من الحق إلى الحق وله درجات وحظوظ معنوية وفيه متاعب ومشاكل كما هو الشأن في كلّ أمر مهم.
السابع : يستفاد من قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ) كمال العناية بالتقوى فإنّه بعد ذكر كل ما تقدّم من التذكير والتوعيد والتهديد يكون الأمر بها زيادة في الاهتمام والاعتناء ، فكأنّ جميع ما ذكر كان توطئة لها.
وهذا هو دأب القرآن في جميع آيات الأحكام ولم يهتم بشيء من الفضائل كاهتمامه بالتّقوى ، لأنّ تقوى الله تعالى أصل الإنسانية الكاملة والسعادة الأبدية وبها يتم نظام الدنيا والآخرة فهي أصل الأصول ومحور الأخلاق الفاضلة ، وقد تقدم في البحوث السابقة نظرية الإسلام في الوسط