الثاني ، ويمكن حمله على التأكيد فإنّ الطفل في هذه المدة أحوج منه في غيرها إلى العناية والرعاية وقد ذكر علماء الطب والتربية أنّ الغذاء في هذه المدّة يعين مصير الطفل من حيث صحته وسقمه وصفاته النفسية والخلقية ، وقد كشف القرآن بهذه الكلمة الوجيزة عن كلّ ما وصل العلم إليه بعد جهدهم الأكيد في قرون ، فعلى المسلمين أن يرجعوا إلى دينهم فإنّه تعرض إلى كلّ ما يرشدهم إلى الهداية والصلاح والسعادة في الدنيا والآخرة.
الرابع : يستفاد من قوله تعالى : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) أنّ المدة المذكورة إنّما هي لمصلحة الطفل فإذا اقتضت أن تكون الرضاعة أقل منها فلا بأس به وأوكل ذلك إلى اجتهاد الوالدين ، ولهذا عدل عن خطاب الأم إلى خطاب الذكور لبيان أنّها لا بد من الرجوع إلى الوالد في تقرير مصير الطفل في أمر الرضاع والفطام ، وهذا مما يؤكده قوله تعالى : (فَإِنْ أَرادا فِصالاً) في ذيل الآية الشريفة.
الخامس : ذكر بعض المفسرين أنّ قوله تعالى : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَ) يدل على أنّ الوالدات إنّما ولدن للآباء فقط ، ولذلك ينسبون إليهم لا إلى الأمهات ، واستشهد بقول القائل :
وإنّما أمهات الناس أوعية |
|
مستودعات وللآباء أبناء |
والمناقشة في ما ذكره واضحة ، فإنّ الآية الشريفة تدل على أنّ الولد لوالديه فهو بمنزلة الثمرة لهما ، وإنّما يرجع فيه إلى الاعتبارات ، وما عليه المجتمع الإنساني ، وهو يختلف باختلاف الأمم ، كما هو واضح.
وإنّما عبّر سبحانه بالمولود له لبيان الحكمة في الحكم وإثارة العاطفة والحنان فيه ، فما ذكره المستدل مخالف لصريح الآية الشريفة وإنّما هو عادة جاهلية قد أبطلها الإسلام.
السادس : يدل قوله تعالى : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) على أنّ إضرار كلّ واحد من الوالدين بالآخر موجب للإضرار بالولد ، ويؤثر ذلك في تربيته ونشأته وصحته ونفسيته. والنهي عام يشمل جميع أقسام الإضرار.