والشدة ، فإنّ كلّ موضوع كثر الاهتمام به ازداد ابداله وأطواره وشؤونه ، ولا يوجد موضوع شرعي ولا قانون إلهي أفضل وأجل من هذه العبادة الخاصة أي الصلاة فإنّ فيها جذب العبد إلى عالم الأحدية والسعادة الأبدية فأيّ قانون يتصوّر أفضل منها ، ولأجل ذلك أرسل الفقهاء قاعدة «أنّ الصّلاة لا تسقط بحال» ، وقد وردت في السنة المقدسة قواعد تسهيلية امتنانية في الصلاة لم نرد في غيرها من العبادات.
ويستفاد من هذه الآية الشريفة : إجزاء الصلاة في حالة الخوف بأي نحو اقتضاه الخوف ، ولا تحتاج إلى الإعادة أو القضاء بعد الأمن لعدم الإشارة إلى ذلك ، وهذا هو الذي تقتضيه سهولة الشريعة.
ولم يحدد سبحانه وتعالى الخوف الموجب لتبدل التكليف بل أوكله إلى نفس الإنسان بعد مراعاة جانب عقله ، قال تعالى : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) [القيامة ـ ١٤] ، فيكون المناط تحقق الخوف العقلائي لدى المكلّف من أي مصدر تحقّق سواء كان في القتال المأذون فيه شرعا أو كان في الدّفاع عن النفس والعرض والمال ، أو الحاصل من السبع والحرق أو الغرق ونحو ذلك. ويتقدّر التكليف بقدره فيترك كلّ ما ينافي الحذر ويبقى ما لا ينافيه على حاله ، ويجب تحرّي المقدور مهما أمكن فيسقط جملة من شرائط الصّلاة الاختيارية عند عروض الخوف كالاستقرار ، والقبلة ، والطمأنينة بل قد يوجب سقوط الركوع والسجود والتعويض عنهما والإيماء لهما لأنّه الميسور له ، وقد ذكر سبحانه وتعالى كيفية صلاة الخوف في القتال في سورة النساء.
وإنّما قدم الراجل على الراكب لاشتداد الأمر بالنسبة إليهم ، ولأنّ الغالب في عصر النزول كانوا راجلين ، وذكرهما بالخصوص لبيان وجوب المحافظة على الصّلاة على كلّ حال يمكن من المشي والركوب وعدم سقوطها بحال ، ولا يجب تأخيرها عن وقتها في هذه الحالة ، كما يراه بعض الفقهاء ، والآية مجملة في كيفية صلاة الخوف ، ولكن شرحتها السنة الشريفة وذكرها الفقهاء في كتب الفقه.