بعض المسلمين الهجرة الأولى إلى الحبشة ، وهاجر آخرون مع النبي صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة المنورة ، لكن بعض المسلمين قعد في مكة حبّا في وطنه ، وإيثارا للدنيا وعرضها ، ومنهم من كان ضعيفا لا يقدر على الهجرة لمرض أو كبر سن أو جهل بالطريق ، ومنهم من هاجر ومات في الطريق ، فنزلت هذه الآيات تبين حكم هؤلاء جميعا.
فالصنف الأول : الذين ماتوا في ديار الشرك في مكة ، قبضت الملائكة أرواحهم حالة كونهم ظالمي أنفسهم برضاهم الإقامة في دار الشرك ، وإيثارهم الدنيا وعرضها الفاني على نصرة الحق وتأييد رسول الله ، وقبولهم الظلم والتضييق عليهم وعدم السماح لهم بممارسة شعائرهم الدينية ، هؤلاء قالت لهم الملائكة توبيخا وتأنيبا عند قبض أرواحهم : في أي شيء كنتم من أمور دينكم؟ ولماذا تركتم الهجرة لنصرة الإسلام وأنتم قادرون عليها؟ قالوا معتذرين بعذر غير حقيقي : كنا مستضعفين ومستذلين في مكة ، فلم نتمكن من إقامة الدين وواجباته ، فردت عليهم الملائكة : ألم تكن أرض الله التي يمكنكم إظهار الدين فيها واسعة فتهاجروا؟! نعم هي واسعة ، ولكنكم رضيتم بالذل ، وآثرتم الدنيا على نصرة الحق ، فأولئك مأواهم جهنم ، وبئس المصير مصيرهم.
وهذا يدلنا على أن المسلم يجب عليه أن يفر بدينه إلى حيث يتمكن من إقامة حدود دينه وواجباته حسبما أمر الله ، فمن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مأوى مناسبا ، فيه الخير والسعة والرزق والعزة ، وفي هذا ترغيب في الهجرة.
والصنف الثاني : وهم المستضعفون حقيقة وهم الذين لهم عذر حقيقي كالشيوخ الضعفاء والعجزة من النساء والولدان الصغار المراهقين ، هؤلاء يغفر الله لهم ، ولا يؤاخذهم بالإقامة في دار الشرك وترك الهجرة وهذا يدلنا على أن ترك الهجرة ذنب كبير.