وأمّا الثالث فبما انّ امتثال الأمر مرة واحدة مسقط ، فليس هناك دليل على لزوم امتثاله في المرة الثانية حتّى يكون الدليل الثاني ناسخاً. (١)
يلاحظ عليه : أنّ هناك قسماً رابعاً وهو ظهور الدليل في الدوام لا كونه نصاً فيه ، فإذا جاء الناسخ فيكشف عن عدم صحّة ظهور الدليل الأوّل وانّ ما فهم من استمرار الحكم ودوامه كان فهماً خاطئاً ومصب النسخ هو هذا القسم ، وإلا فما نص عليه بالدوام أو بالانقطاع أو يكون مهملاً من حيث الدوام وعدمه ، إمّا يستحيل نسخه لاستلزامه الكذب كما في القسم الأوّل ، أو يستغني عن النسخ كما في القسمين الأخيرين وذلك إمّا ارتفاعه : بانتهاء غايته ، أو عدم ظهوره في الاستمرار ، حتّى يرتفع وإنّما النسخ فيما إذا كان الدليل حسب الظاهر ظاهراً في الاستمرار ، قابلاً للدوام ، فيكون الدليل الثاني ناسخاً له ، رافعاً للحكم حسب الظاهر وإن كان في الواقع كاشفاً عن انتهاء أمد الحكم.
ولذلك يقول الأُصوليون النسخ رفع حسب الظاهر ، وأمّا في الواقع فهو دفع وإعلام بانتهاء الحكم.
الثالث : الفرق بين النسخ والتخصيص
لا شكّ انّ النسخ والتخصيص يشتركان في تضييق دائرة الحكم لكن النسخ تخصيص في الأزمان ، أي مانع من استمرار الحكم بعد النسخ لا عن ثبوته قبله ، بخلاف الثاني فانّه تخصيص في الأفراد ، أي مانع من شمول الحكم لبعض أفراد العام منذ أوّل الأمر.
وبذلك يعلم أنّه يشترط في النسخ ورود الناسخ بعد حضور العمل
__________________
١. تفسير مفاتيح الغيب : ٣ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩ بتلخيص منّا.