بالمنسوخ بفترة قصيرة أو طويلة ، وأمّا التخصيص فيشترط وروده قبل حضور وقت العمل بالحكم ، وإلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو قبيح.
وبذلك يعلم أنّ أمره سبحانه تبارك وتعالى بذبح إسماعيل والمنع عنه قبل ذبحه ليس من مقولة النسخ ، لما علمت من أنّ النسخ عبارة عن قطع استمرار الحكم ، وهو رهن العمل به ، ولو مدة قصيرة. يقول سبحانه : ( فَلَما بَلَغَ مَعَهُ السَّعيَ قالَ يا بُنيَّ إِنّي أَرى فِي المَنامِ أَنّي أَذبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَل ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُني إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرين ) (١) وبما انّ رؤية الأنبياء رؤيا صادقة ، فقد أيقن إبراهيم عليهالسلام بأنّ اللّه سبحانه قد أمره بذبح ولده ، ولمّا جاء به إلى منى ووضع السكين على حلقه وهمّ بذبحه خوطب بقوله : ( قَدْ صَدَّقتَ الرُّؤيا إِنّا كَذلِكَ نَجْزي المُحْسِنين ). (٢)
فالآية تحكي انّه بإنجاز المقدّمات صدّق رؤياه ، وهذا كاشف على أنّه كان مأموراً بالمقدّمات دون الذبح ، وكان ذلك كافياً في رفع مستوى إخلاصه وتفانيه في جنب اللّه.
وبعبارة أُخرى : كان الأمر ، اختباريّاً.
الرابع : وقوع النسخ في القرآن الكريم
دلّت غير واحدة من الآيات على وقوع النسخ في القرآن الكريم إجمالاً نحو :
١. قوله سبحانه : ( وَإِذا بَدَّلْنا آيةً مكانَ آية واللّهُ أَعلَمُ بِما يُنَزّلُ قالُوا انّما أَنْت مُفتر بَل أَكثرُهُمْ لا يَعْلَمُون ). (٣)
__________________
١. الصافات : ١٠٢.
٢. الصافات : ١٠٥.
٣. النحل : ١٠١.