لا شكّ عندي في أنّ هذه الرواية مكذوبة ، وأنّ مثل هذا النسيان محال على الأنبياء عليهمالسلام ، لأنّهم معصومون في التبليغ ، والآيات الكريمة ناطقة بذلك ، كقوله تعالى : ( إِنّ علينا جَمعهُ وَقرآنَه ) (١) ، وقوله : ( إِنّا نَحْنُ نَزّلنا الذِّكرَ وإِنّا لَهُ لَحافِظُون ) (٢). (٣)
أقول : إنّ هذه الآية مدنية ، وقد أخبر سبحانه في سورة مكية بأنّ النبي لا ينسى ، وقال : ( سنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى * إِلاّ ما شاءَ اللّهُ إنّهُ يَعْلَمُ الجَهْرَ وَما يَخْفى ). (٤)
وقوله : ( إِلاّ ما شاء اللّه ) لا يدلّ على وقوع المشيئة ، بل هذا الاستثناء نظير الاستثناء عن خلود أهل الجنة والنار فيهما ، قال سبحانه : ( وَأَمّا الّذينَ سُعِدُوا ففِي الجنّةِ خالدينَ فيها مادامتِ السَّمواتُ والأَرضُ إِلاّ ما شاءَ ربُّك عَطاءً غَيْر مَجْذُوذ ). (٥)
والغاية من ورود الاستثناء في هذه الآية ونظائرها هو بيان انّ الحكم بخلودهما فيهما لا يعني خروج الأمر من يده سبحانه ، بل الأمر بعدُ بيده ، وهو قادر على إنجاز خلاف ما وعد أو أوعد.
وعلى ضوء ذلك نقول : إنّ لفظ « ننسها » وإن كان بمعنى الإذهاب عن الذهن ، لكنّه كناية عن ترك الآية وعدم نسخها ، إذ كثيراً ما يطلق النسيان ويراد به الترك لا الذهول ، أي تركها على ما هي عليه بلا تغيير وتبديل حيث يصحّ أن تقول : نسيت الشيء وأنت تريد تركه على حاله ، أو تقول : نسيت الفعل الفلاني أي تركته ، فتدلّ الآية على أنّ نسخها وعدم نسخها كلاهما يتبعان المصلحة ، فلو
__________________
١. القيامة : ١٧.
٢. الحجر : ٩.
٣. تفسير المنار : ١ / ٤١٥.
٤. الأعلى : ٦ ـ ٧.
٥. هود : ١٠٨.