اقتضت المصلحة نسخ الآية ، تُنْسخ ؛ ولو اقتضت إبقـاءها ، تترك بلا تبديل وتغيير.
قال الرازي : إنّ إطلاق النسيان على الترك مجاز ، لأنّ المنسي يكون متروكاً ، فلمّا كان الترك من لوازم النسيان أطلقوا اسم الملزوم على اللازم. (١)
ويدلّ على ما ذكرنا من أنّ النسيان يطلق ويراد به لازمه ، لفيف من الآيات نحو :
قوله سبحانه : ( فلمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا به أَنجَينا الّذينَ ينهَونَ عَن السُّوءِ ) (٢) ، أي تركوا ما أمروا به من عدم الصيد يوم السبت.
وقال سبحانه : ( وَقيلَ اليَومَ نَنْساكُمْ كَما نَسيتُمْ لِقاءَ يَومِكُمْ هذا ). (٣)
وقال سبحانه : ( فنَسيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ). (٤)
وقال سبحانه : ( فَقال هذا إِلهكُمْ وَإِلهُ مُوسى فنسي ). (٥)
وأوضح دليل على أنّ المراد من قوله : « ننسها » هو الترك ، وجود التقابل بينه وبين « ما ننسخ » ، فلو كان الأوّّل بمعنى الإزالة ، فالفعل الثاني بمعنى الإبقاء.
وأمّا القراءة الثانية ، فهي قراءة من قرأ بالهمز أي ننسئها ، فهي قراءة غير معروفة ، فيكون المراد هو التأخير في النزول أو النسخ ، ويؤوّل معنى الآية إلى قوله : ( ما نَنْسَخ مِنْ آية ) أو ننسئها ، أي نؤخّر نزولها أو نسخها ، فالكلّ من التقديم والتأخير تابع لمصلحة.
فهذه الآيات تدلّ على إمكان النسخ ، بل وقوعه في القرآن.
__________________
١. مفاتيح الغيب : ٣ / ٢٢٧.
٢. الأعراف : ١٦٥.
٣. الجاثية : ٣٤.
٤. طه : ١١٥.
٥. طه : ٨٨.