ومنهم من قال : بل التسلسل جائز في الآثار دون المؤثّرات، والتزم أنّه يقوم بذاته ما لا يتناهى شيئاً بعد شيء، ويقول : إنّه لم يزل متكلّماً بمشيئة ولا نهاية لكلماته، وهذا قول أئمّة الحديث وكثير من النظار، والكلام على قيام الاُمور الاختياريّة بذاته مبسوط في موضع آخر (١) . انتهى.
وقد كذب على أئمّة الحديث وغيرهم، لم يقل ذلك إلاّ هو فقط، لكن دأبه أنّه إذا اختار شيئاً نسبه إلى أئمّة الحديث، هذا. وهو الذي عناه تقي الدين السبكي بقوله :
يرى حوادث لا مبدأ لأوّلها |
|
في الله سبحانه عمّا يظنّ به |
ومنها : في صفحة ١٠٧ قال ما لفظه : من المعلوم بالضرورة أنّ إحداث مفعول بعد مفعول لا إلى نهاية أكمل من أن لا يفعل إلاّ مفعولا واحداً لازماً لذاته إن قدّر ذلك ممكناً، وإذا كان ذلك أكمل فهو ممكن; لأنّ التقدير أنّ الذات يمكنها أن تفعل شيئاً بعد شيء، بل يجب ذلك لها، وإن كان هذا ممكناً ـ بل هو واجب لها ـ وجب اتّصافه به دون نقيضه الذي هو أنقص منه، وليس في هذا تعطيل عن الفعل، بل هو اتّصاف بالفعل على أكمل الوجوه (٢) ، انتهى.
فأوجب على الله حدوث الحوادث على الدوام بقاعدة الكمال الواجب له وأنّه ما زال فاعلا.
ومنها : وهو أصرحها قال في صفحة ٣٦ ما لفظه : وأمّا تسلسل الحوادث في الماضي ففيه أيضاً قولان لأهل الإسلام من أهل الحديث والكلام وغيرهم، فمن يقول : إنّ الله لم يزل متكلّماً إذا شاء، ولم يزل
____________________
(١) منهاج السنّة ٢ : ١٢٦ - ١٢٩.
(٢) نفس المصدر ١ : ٣٨٤.