وصلّ وسلّم اللّهم على المصطفى في الظلال، المرتجى للشفاعة، المفوّض إليه دين الله، خير خلقك، وخاتم رسلك، صاحب السكينة، والمدفون بالمدينة، وعلى آله الطيّبين الطاهرين الهادين، وصحبه الناصرين الكاملين.
أَما بعد : فلمّا صحّ عندي قول سيد البشر صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إذا ظهرت البدع وسكت العالم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» (١) بادرت إلى تسطير نبذة من البراهين الجلية، التي أقامها أئمّة الأشعرية على كفر أحمد ابن تيمية، مؤسّس مذهب الوهابية، شيخ الحشوية، لما رأيت طبع كتبه في هذه الأيام وإشاعة بدعه الكفر واستزلال العوام بها; لأن الحشو ممّا يقرب من أفهامهم ويتصوّر في أوهامهم، حتّى رأيته قد رسخ في قلوب بعضهم، وألفته نفوسهم، ومزجت البدع بلحومهم وعروقهم ودمائهم، وقد يجب على العلماء إعزاز الدين، وإغماد المبتدعين; لأنّ جهاد العلماء بالقلم واللسان وجهاد الملوك بالسيف والسنان، وكما لا يصحّ للملوك إغماد السيف عن المشركين والملحدين كذلك لا يجوز للعلماء إغماد ألسنتهم عن الزائفين والمبتدعين، وإلاّ فقد زيّف العلماء قبلي عقيدة ابن تيمية الفاسدة ونقضوا حججه الداحضة الكاسدة، وأظهروا عواثر سقطاته، وبيّنوا قبائح أوهامه وغلطاته، كتقي الدين الحصني (٢) أبي بكر بن محمّد الدمشقي
____________________
(١) الدرر السنيّة لزيني دحلان : ٤٨، وانظر الكافي للكليني ١ : ٥٤ / ٢، الجامع الصغير ١ : ١١٥ / ٧٥١، وكنز العمّال ١ : ١٧٩ / ٩٠٣.
(٢) نسبة إلى الحصن من قرى حوران، فقيه شافعي من أهل الشام، تفقّه على شرف الدين الشريسي وشهاب الدين الزهري وغيرهما، من تصانيفه : شرح منهاج الطالبين للنووي، وشرح مختصر أبي شجاع، وشرح صحيح مسلم وغيرها، انظر الضوء اللامع ١١ : ٨١، الأعلام ٢ : ٦٩.