ابن أكثم مالا كثيراً على امتحانه في مسألة يعجز فيها، فتواعدوا إلى يوم، وأحضره المأمون، وحضر القاضي وجماعة العبّاسيين، فقال القاضي : أسألك عن شيء؟ فقال : «سل» فقال : ما تقول في محرم قتل صيداً؟ فقال له : «قتله في حلّ أو حرم، عالماً أو جاهلا، مبتدئاً بقتله أم عائداً، من صغار الصيد أو من كبارها، عبداً كان المحرم أم حرّاً، صغيراً كان أم كبيراً، من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها» فتحيّر يحيى بن أكثم وبان العجز فيوجهه حتّى عرف جماعة أهل المجلس أمره، فقال المأمون لأهل بيته : عرفتم الآن ما كنتم تنكرونه. ثمّ أقبل على الإمام فقال : أتخطب؟ فقال : «نعم» فقال : أخطب لنفسك خطبة النكاح، فخطب وعقد على خمسمائة درهم جياد مهر فاطمة عليهاالسلام ، ثمّ تزوّج بها (١) .
والجواب : أن يقال : محمّد بن عليّ الجواد كان من أعيان بني هاشم، وهو معروف بالسخاء والسـؤدد ولهذا سمّي الجـواد، ومات وهـو شاب ابن خمسوعشرين سنة، ولد سنة خمس وتسعين ومائة ومات سنة عشرين أو سنة تسعة عشر، وكان المأمون زوّجه بابنته، وكان يرسل إليه في السنة ألف ألف درهم، واستقدمه المعتضد إلى بغداد ومات بها رضياللهعنه ، وأما ما ذكره فإنّه من نمط ما قبله، فإنّ الرافضة ليس لهم عقل صريح ولا نقل صحيح.
قال : فإنّ هذه الحكاية التي حكاهما عن يحيى بن أكثم من الأكاذيب التي لا يفرح بها إلاّ جاهل، ويحيى بن أكثم أفقه وأعلم وأفضل من أن يطلب تعجيزشخص بأن يسأله عن محرم قتل صيداً، فإنّ صغار الفقهاء
____________________
(١) تفسير القمّي ١ : ١٨٢، الإرشاد للمفيد ٢ : ٢٨٠ - ٢٨٣، الاختصاص : ٩٩، تحف العقول : ٤٥١، روضة الواعظين : ٢٣٩، دلائل الإمامة للطبري : ٣٩١، إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي ٢ : ١٠٣، كشف الغمّة للإربلي ٢ : ٣٥٣ ـ ٣٥٦.