وهذا الردّ الثاني ينتج عنه بناء شخصية متهورة تتحكم بها الأهواء، وتسيطر على حركاتها وسكناتها العصبيّة العمياء، وتحمل في داخلها البغض والكراهية للطرف الآخر.
وتاريخنا مليء بالصراعات الفكرية بشقّيه الآنفين بين الفرق والطوائف على مرّ العصور.
فما أن رحل الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الدنيا وفارق الحياة، تاركاً للأُمّة دولته الفتيّة، حتّى تعرضت هذه الاُمّة إلى انقسامات فيما بينها، ونشأ صراع سياسي في أمر مهم جدّاً، وهو أمر الخلافة، ثمّ أعقبه خلاف فقهي، لأنّ هذه الدولة الفتيّة التي أنشأها صلىاللهعليهوآلهوسلم كانت تحتاج إلى قيادة عالمة بجميع علوم الشريعة ـلا متأثّرة بأفكار الجاهليّة وضوابطها ومعاييرها، مقدّمة الشيخوخة على الكفاءة، والغيلة على الجهاد، و... تقودها إلى شاطئ الأمان، لترشد العبادإلى طريق الهداية والسداد، وتدافع عن مكاسبها أمام أي خطر طارئ قدتتعرّض له من الخارج.
فوقع الاختلاف فيمن يقود هذه الدولة، وما هي مؤهّلاته القياديّة، وهل يجب أن يكون شابّاً أو شيخاً، وهل أنّ ذلك بالنصّ أو الشورى؟
فكان من المفترض ـ مبدئيّاً ـ في الخليفة أن يكون ممّن دافع عن الرسول والرسالة وشارك معه غزواته وحروبه، وتحمّل ما تحمّل من أجل ترسيخ وتثبيت أركان رسالته، إلاّ أن ما حصل ـوللأسف الشديد كان غير ذلك; حيث تولّى الأمر المفضول مع وجود الفاضل، والشيخ مع وجود الشاب المجاهد الحركي الواعي، كلّ ذلك تحكيماً للمعايير التي عرفوها في الجاهلية.
فكان من الواجب على المؤمنين الرساليين من الصحابة والتابعين وعلماء الدين الوقوف أمام هذا التغيير المدروس، مقدّمين الأدلّة الدامغة،