ولو كان مارواه أنّه بايع على أن يسالم من سالم ، ويحارب من حارب ، لكان معاوية لا يسكت على ما حجّه به الحسن عليهالسلام ؛ ولأنّه يقول له : قدبايعتني على أن تحارب من حاربت كائناً من كان ، وتسالم من سالمت كائناًمن كان ، وإذا قال عامر في حديثه : ولم يبايعه على أنّه أميرالمؤمنين قدناقض ؛ لأنّ الأمير هو الآمر ، والزاجر والمأمور هو المؤتمر والمنزجر ، فأبى تصرّف الآمر ، فقد أزال الحسن عليهالسلام في موادعته معاوية الائتمار له ، فقدخرج من تحت أمره حين شرط أن لا يسمّيه أميرالمؤمنين ، ولو انتبه معاوية بحيلة (١) الحسن عليهالسلام بما احتال عليه لقال له : يا أبا محمّد ، أنت مؤمنوأنا أمير ، فإذا لم أكن أميرك لم أكن للمؤمنين أيضاً أميراً ، وهذه حيلة منك تزيل أمري عنك ، وتدفع حكمي لك وعليك ، فلو كان قوله : يحارب من حارب مطلقاً ، ولم يكن شرطه إن قاتلك من هو شرّ منك قاتلته ، وإن قاتلك من هو خير منك في الشرّ وأنت أقرب منه إليه لم أُقاتله ؛ ولأنّ شرط الله على الحسن عليهالسلام وعلى جميع عباده التعاون على البرّ والتقوى ، وترك التعاون على الإِثم والعدوان ، وإنّ قتال من طلب الحقّ فأخطأه مع من طلب الباطل فوجده تعاونٌ على الإِثم والعدوان ، والمبايع غير المبايَع ، والمؤازرغير المؤازَر.
فإن قال : هذا حديث ابن سيرين ، يرويه محمّد بن إسحاق بن خزيمة ، قال : حدّثنا بشّار ، قال : حدّثنا ابن أبي عديّ ، عن ابن عون ، عن
__________________
فوجدته ، ولست في الحكم مثلك حتّى اتّبعك ، ولست بأهل للجهاد حتّى يلزم الجهاد معك ؛ إذ لايجوز دفع الباطل بالباطل. كذا توهّمه بعض المعاصرين ، والظاهر أنّ المراد أنّ هؤلاء الخوارج مع غاية كفرهم أفضل من معاوية وأصحابه ؛ لأنّ الخوارج كان غرضهم طلب الحقّ فأخطأوا بخلاف معاوية.
(١) في «ش ، ج ، ل» : لحيلة.