لأحدهما إلاّوهو عاص للآخَر ، فتعمّ المعصية أهل الأرض ، ثمّ لا يكون لهم مع ذلك السبيل إلى الطاعة والإيمان ، ويكونون إنّما أتوا في ذلك من قِبَل الصانع الذي وضع لهم باب الاختلاف وسبب التشاجر ؛ إذ أمرهم باتّباع المختلفين .
ومنها : أنّه لو كانا إمامين لكان لكلٍّ من الخصمين أن يدعو إلى غير الذي يدعو إليه الآخَر في الحكومة ، ثمّ لا يكون أحدهما أولى بأن يتبع صاحبه من الآخَر ، فتبطل الحقوق والأحكام والحدود.
ومنها : أنّه لا يكون واحد من الحجّتين أولى بالنظر والحكم والأمر والنهي من الآخَر ، فإذا كان هذا كذلك وجب عليهم أن يبتدؤا (١) الكلام ، وليس لأحدهما أن يسبق صاحبه بشيء إذا كانا في الإمامة شرعاً واحداً ، فإن جاز لأحدهما السكوت جاز للآخَر مثل ذلك ، وإذا جاز لهما السكوت بطلت الحقوق والأحكام ، وعطّلت الحدود ، وصار الناس كأنّهم لا إمام لهم.
فإن قيل : فلِمَ لا يجوز أن يكون الإمام من غير جنس الرسول.
قيل : لعلل منها : أنّه لمّا كان الإمام مفترض الطاعة لم يكن بُدٌّ من دلالة تدلّ عليه ويتميّز بها من غيره ، وهي القرابة المشهورة والوصيّة الظاهرة ؛ ليعرف من غيره ويهتدي إليه بعينه.
ومنها : أنّه لو جاز في غير جنس الرسول لكان قد فضّل مَنْ ليس برسول على الرسول (٢) ؛ إذ جعل أولاد الرسول أتباعاً لأولاد أعدائه ، كأبي جهلوا بن أبي معيط ؛ لأنّه قد يجوز بزعمه أنّه ينتقل ذلك في
__________________
(١) في النسخ إلاّ «ج ، ل» : ينبذوا.
(٢) في «ح ، ن ، ش ، ج ، ل» : الرسل ، وكذلك المورد التالي.