فيكون في ذلك أعظم الكفر ، وأشدّ النفاق.
فإن قال قائل : فلِمَ وجب عليهم الإقرار بالله بأنّه ليس كمثله شيء ؟
قيل : لعلل منها : لأن يكونوا قاصدين نحوه بالعبادة والطاعة دون غيره (١) ، غير مشبّه عليهم ربّهم وصانعهم ورازقهم.
ومنها : أنّهم لو لم يعلموا أنّه ليس كمثله شيء لم يدروا لعلّ ربّهم وصانعهم هذه الأصنام التي نصبها لهم آباؤهم ، والشمس والقمر والنيّران إذا كان جائزاً أن يكون (٢) مشبهاً ، وكان يكون في ذلك الفساد وترك طاعاته كلّها ، وارتكاب معاصيه كلّها على قدر ما يتناهى إليهم من أخبار هذه الأرباب ، وأمرها ونهيها.
ومنها : أنّه لو لم يجب عليهم أن يعرفوا أنّه ليس كمثله شيء لجاز عندهم أن يجري عليه ما يجري على المخلوقين من العجز والجهل ، والتغيّر (٣) والزوال ، والفناء والكذب ، والاعتداء ، ومَنْ جازت عليه هذه الأشياءلم يؤمن فناؤه ، ولم يوثق بعدله ، ولم يحقّق قوله وأمره ونهيه ، ووعده ووعيده ، وثوابه وعقابه ، وفي ذلك فساد الخلق ، وإبطال الربوبيّة.
فإن قال قائل : لِمَ أمر الله العباد ونهاهم ؟
قيل : لأنّه لا يكون بقاؤهم وصلاحهم إلاّ بالأمر والنهي ، والمنع عن
__________________
(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : لعلّ المنظور في الوجه الأوّل عدم تعيين شيء للعبادة ؛ لأنّه يحتمل أن يكون كلّ شيء ربّهم حتّى الأشياء التي لم يعبدها أحد ، وفي الثاني ضلال الناس بعبادة الأصنام باحتمال أن يكون ربّهم ، أو يقال : إنّه لابدّ لهم من معرفة ربّهم ليصحّ العبادة ولا يمكن لهم المعرفة بالكنه ، وأقرب الوجوه التي يصل إليها عقول الخلق معرفته بأنّه لا يشبه شيئاً من الأشياء ، فتأمّل. (م ق ر رحمهالله ).
(٢) في «ج ، ل» زيادة : عليهم.
(٣) في «ج ، ل ، ن» : والتغيير.