فإن قال قائل : فلِمَ أمر بالوضوء وبدأ به؟
قيل : لأنّه (١) يكون العبد طاهراً إذا قام بين يدي الجبّار عند مناجاته إيّاه ، مطيعاً له فيما أمره ، نقيّاً من الأدناس والنجاسة مع ما فيه من ذهاب الكسل وطرد النعاس وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبّار.
فإن قال قائل : فلِمَ وجب ذلك على الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين ؟
قيل : لأنّ العبد إذا قام بين يدي الجبّار قائماً ينكشف من جوارحه ويظهرما وجب فيه الوضوء ، وذلك أنّه بوجهه يستقبل ويسجد ويخضع ، وبيده يسأل ويرغب ويرهب ويتبتّل ، وبرأسه يستقبل (٢) في ركوعه وسجوده ، وبرجليه يقوم ويقعد.
فإن قيل : فلِمَ وجب الغسل على الوجه واليدين والمسح على الرأس والرجلين ، ولم يجعل غسلاً كلّه ولا مسحاً كلّه ؟
قيل : لعلل شتّى منها : أنّ العبادة العظمى إنّما هي الركوع والسجود ، وإنّمايكون الركوع والسجود بالوجه واليدين لا بالرأس والرجلين.
ومنها : أنّ الخلق لا يطيقون في كلّ وقت غسل الرأس والرجلين ، ويشتدّ ذلك عليهم في البرد والسفر والمرض والليل والنهار ، وغسل الوجه واليدين أخفّ من غسل الرأس والرجلين ، وإنّما وضعت الفرائض على قدر أقلّ الناس طاقةً من أهل الصحّة ، ثمّ عمّ فيها القويّ والضعيف.
ومنها : أنّ الرأس والرجلين ليس هما في كلّ وقت باديان ظاهران
__________________
(١) في «ج ، ل» عن نسخة : لأن.
(٢) في «ج ، ل ، ش ، ن» : يستقبله.