النفس حارّا باردا مستقيما معوجّا إلى غير ذلك من الصفات المتضادّة الممتنعة الحصول للنفس.
وأمّا الحضوريّ ـ كعلمنا بذواتنا والأمور القائمة بها ـ فليس فيه ارتسام وانطباع ، بل هناك حضور المعلوم بحقيقته ـ لا بمثاله ـ عند العالم ، وهو أقوى من العلم الحصوليّ ؛ ضرورة أنّ انكشاف الشيء على آخر لأجل حضوره بنفسه عنده أقوى من انكشافه عليه لأجل حصول مثاله عنده.
وقد يقال (١) : إنّ علمه تعالى بالأشياء من هذا القبيل ؛ لامتناع حصول صور الأشياء في ذاته تعالى.
واستشكل بالنسبة إلى المعدومات خصوصا والممتنعات ، ولهذا قيل (٢) : إنّ علمه تعالى بها بحصول صورها في مجرّد آخر. وتحقيقه سيأتي الإشارة إليه إن شاء الله.
والقول باتّحاد العالم بالمعلوم عند العلم أو بالعقل الفعّال (٣) فاسد ؛ لأنّ الاثنين لا يتّحدان ، والعلم الواحد لا يتعلّق بمعلومين فصاعدا على التفصيل ، بل يختلف باختلاف المعلوم ، ولا يتحقّق العلم إلاّ بأن يكون هناك إضافة ، بمعنى أنّه أمر حقيقيّ يستلزم تلك الإضافة ، لا نفسها.
والإشكال بلزوم اجتماع صورتين متماثلتين في صورة اتّحاد العالم والمعلوم أعني صورة علم الشيء بنفسه ، وبأنّه للإضافة عند الاتّحاد ، فلا يتحقّق العلم ؛ لانتفاء لازمه الذي هو الإضافة مدفوع بأنّ علم الشيء بنفسه علم حضوريّ ، فلا اجتماع. وبأنّ إحدى الصورتين موجودة بوجود أصيل ، والأخرى بوجود ظلّيّ ، وبذلك
__________________
(١) « التلويحات » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » ١ : ٧٠ ـ ٧٦ ؛ « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » ٢ : ١٥٠ ـ ١٥٣.
(٢) القائل هو ثاليس الملطيّ ، على ما نقله الشهرستانيّ في « الملل والنحل » ٢ : ٦٢.
(٣) قال به فرفوريوس وأتباعه من المشّائين ، راجع « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » ٣ : ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٢٥١ ؛ « شوارق الإلهام » : ٤١٧.