شيء ، كما قال سيّد الشهداء عليهالسلام : « أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهر لك؟ » (١) وتحصل به المعرفة الحقّة ولا تحصل بغيره أصلا.
وبالجملة ، فلا بدّ في هذا الدليل من إقامة البرهان على النحو المقرّر في الميزان من المقدّمات وكيفيّة الدليل ، ولا حاجة إلى التمثيل ؛ لأنّ الكتب مشحونة به ، بل لا نكاد نجد غيره إلاّ نادرا إمّا لضعف المستدلّ أو المستدلّ له أو عليه ، ولكنّ الأوّل أولى ، ثمّ الثاني ثمّ الثالث.
أقول أوّلا : إنّ الظاهر أنّ المراد من الحكمة هي المقالة المحكمة والدليل الموضّح للحقّ ، المزيل للشبهة للخواصّ ؛ فإنّ الحكمة عبارة عن العلم بالأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر ، فيكون المراد هنا ما يوصل إليه.
مع أنّ الدليل الذوقيّ العيانيّ لو سلّم صحّته في المقام لا يمكن حصوله ظاهرا بالنسبة إلى الطائفة الذين أمر الله نبيّه أن يدعوهم به إلى سبيله تعالى.
والمراد من الموعظة الحسنة يمكن أن يكون هو الخطابات المقنعة والعبر النافعة للعوامّ. والمجادلة بالطريقة ـ التي هي أحسن طرق المجادلة ـ يمكن أن يراد منها ما يكون مع الرفق واللين وإيثار الوجه الأيسر والمقدّمات الأشهر ، أو ذكر مسلّمات الخصم مع كونها حقّة.
وثانيا : إنّ البرهان الإنّيّ بل كثيرا من الصناعات الخمس خارج عمّا أفاده ، مع أنّه أيضا من أدلّة المعرفة بل هو الغالب ، كما يشهد عليه قوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... ) (٢) وقوله تعالى : ( سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) (٣) ونحو ذلك من الآيات الدالّة على لزوم الاعتبار والاستدلال من المعلول على العلّة ، وقوله عليهالسلام :
__________________
(١) « بحار الأنوار » ٩٥ : ٢٢٦ ، ح ٣.
(٢) الأعراف (٧) : ١٨٥.
(٣) فصلت (٤١) : ٥٣.