مستقلّة في ذلك ، بل هم معترفون بكونها مسخّرة تحت إرادة صانع خبير ـ جلّت صنعته ـ كما صرّح به الشيخ في مواضع من الشفاء (١) وسائر كتبه (٢) ، وقد مرّ في مبحث القوى وفي مبحث إثبات الغايات للطبيعيّات من هذا الكتاب (٣) ، هذا.
وأمّا الصغرى فلما في خلق الأفلاك والعناصر وأنواع الحيوان والنبات والمعادن على انتظام واتّساق ومن عجائب الصنع وغرائب التدبير وآثار الإتقان والإحكام بحيث تحار فيها العقول والأفهام ، ولا تفي بتفاصيلها الدفاتر والأقلام ، على ما شهد بذلك علم الهيئة والتشريح ، وعلم الآثار العلوية والسفلية ، وعلم الحيوان والنبات.
وإلى جميع ذلك أشير في قوله تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (٤) فكيف إذا رقي إلى عالم الروحانيّات والمجرّدات النفسيّة والعقليّة مع أنّ الإنسان لم يؤت من العلم إلاّ قليلا ، ولم يجد إلى كثير منه سبيلا.
ناهيك في ذلك قول أفضل البشر بعد سيّدهم في خطبة من خطب نهج البلاغة : « وما الذي نرى من خلقك ، ونعجب له من قدرتك ، ونصفه من عظيم سلطانك ، وما تغيّب عنّا منه ، وقصرت أبصارنا عنه ، وانتهت عقولنا دونه ، وحالت سواتر الغيوب بيننا وبينه أعظم ، فمن فرّغ قلبه ، وأعمل فكره ، ليعلم كيف أقمت عرشك ، وكيف ذرأت خلقك ، وكيف علّقت في الهواء سماواتك ، وكيف مددت على مور الماء أرضك ، رجع طرفه حسيرا ، وعقله مبهورا ، وسمعه والها ، وفكره حائرا » (٥) هذا.
__________________
(١) « الشفاء » الطبيعيّات ١ : ٤٨ وما بعدها ، والإلهيّات : ٢٨٣ ، الفصل الخامس من المقالة السادسة.
(٢) « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ٢٢٧ ـ ٢٢٩ و ٣ : ١٥ و ٣٦١.
(٣) أي « شوارق الإلهام » : ٢٤٠ ـ ٢٥١.
(٤) البقرة (٢) : ١٦٤.
(٥) « نهج البلاغة » ٢٩٥ ، الخطبة (١٦٠).