بل كثير ممّا لا يمكن وجوده من الأمور الفرضيّة ـ غير متحقّقة أصلا ، فيمتنع تعلّق الإدراك ، هذا خلف ، فبقي أن يكون مثال حقيقة مرتسمة في ذات المدرك أو آلته غير مباين لهما (١).
وقال أيضا ـ بعد إبطال اتّحاد العاقل مع المعقول على ما مرّ في مسألة العلم ـ :
فيظهر لك من هذا أنّ كلّ ما يعقل فإنّه ذات موجودة تتقرّر فيها الجلايا تقرّر شيء في شيء آخر (٢).
ثمّ قال : ولعلّك تقول : إن كانت المعقولات لا تتّحد بالعاقل ولا بعضها مع بعض ، ثمّ قد سلّمت أنّ واجب الوجود يعقل كلّ شيء ، فليس واحدا حقّا ، بل هناك كثرة ، فنقول : إنّه لمّا كان يعقل ذاته بذاته ، ثمّ يلزم قيّوميّته عقلا بذاته لذاته أن يعقل الكثرة ، جاءت الكثرة لازمة متأخّرة لا داخلة في الذات مقوّمة ، وجاءت أيضا على ترتيب ، وكثرة اللوازم من الذات ـ مباينة أو غير مباينة ـ لا تثلم الوحدة ، والأوّل تعالى تعرض له كثرة لوازم إضافيّة وغير إضافيّة وكثرة سلوب ، وبسبب ذلك كثرت الأسماء ولكن لا تأثير لذلك في وحدانيّة ذاته تعالى (٣). انتهى.
والمراد من الترتيب ما بيّنه في التعليقات حيث قال : الأوّل تعالى هو سبب في لزوم المعلومات له ووجوبها عنه لكن على ترتيب وهو ترتيب السبب والمسبّب ؛ فإنّه مسبّب الأسباب وهو سبب معلوماته ، فيكون بعض الشيء مقدّما علميّته له على بعض ، فيكون بوجه ما علّة لأن عرف الأوّل معلولها ، وبالحقيقة فإنّه علّة كلّ معلوم وسبب لأن علم كلّ شيء.
مثال ذلك أنّه علّة لأن عرف العقل الأوّل ، ثمّ إنّ العقل الأوّل هو علّة لأن عرف لازم العقل الأوّل ، فهو وإن كان سببا لأن عرف العقل الأوّل ولوازمه ، فبوجه ما صار
__________________
(١) « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » ٣ : ٢٩٣ ـ ٢٩٧.
(٢) نفس المصدر.
(٣) « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » ٣ : ٣٠٢ ـ ٣٠٣.