فلا يجدي تحقّق نسبة أخرى وإن كانت آكد من الأولى على ما قيل.
وعلى تقدير تسليم كفايته في مطلق التعلّق ، فلا يكفي فيما نحن بصدده ؛ لما عرفت من وجوب تقدّم هذا التعقّل على الوجود ، فظهر ضعف مختار صاحب الإشراق في علمه تعالى (١).
وهذا وارد على مذهب ثالس (٢) أيضا ؛ فإنّه إذا كان حضور المعلولات بذواتها للعاقل غير كاف في كونها معقولات ، كان قيام صورها بما لا يكفي حضوره بذاته في كونه معقولا كذلك ، كما لا يخفى.
ويرد عليه أيضا صحّة كون زيد عالما بالأشياء بصور قائمة بذهن عمرو إلاّ أن يكون محلّ تلك المعقولات مرتبطا به تعالى ارتباط الآلة بذي الآلة ، وذلك أشنع.
وأيضا أن يكون صدور ذلك العقل الذي هو محلّ تلك الصور عن غير علم ، فلا يصدق في شأنه أنّه تعالى لمّا عقل خيرا وجد ، كما مرّ في كلام الشيخ.
فأحرى المذاهب بالقبول هو مختار الشيخ ؛ لسلامته عن المفاسد المذكورة إلى الآن كما عرفت.
وأمّا وجوب كون صفاته الكماليّة عين ذاته تعالى ، فلا ينافيه أيضا ؛ لأنّ الشيخ قد صرّح غير مرّة بأنّ كماله تعالى ومجده ليس بهذه الصور ، بل بأن يفيض عنه هذه الصور معقولة.
قال في الشفاء في صدر فصل نسبة المعقولات إليه تعالى : ثمّ يجب لنا أن نعلم أنّه إذا قيل للأوّل : عقل ، قيل على المعنى البسيط الذي عرفته في كتاب النفس ، وأنّه ليس فيه اختلاف صور مترتّبة متخالفة كما يكون في النفس ، فهو كذلك تعقّل (٣)
__________________
(١) « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » ٢ : ١٥٠. وانظر « الأسفار الأربعة » ٦ : ٢٣٠ ؛ « شرح المنظومة » قسم الحكمة : ١٦٥ ـ ١٦٦.
(٢) في « شوارق الإلهام » : « انكسيمايس ».
(٣) في « الشفاء » و « شوارق الإلهام » : « يعقل » بدل « تعقّل ».