تعمد (١) تكوّن هذه الفاسدات أو ما دونها فقد بيّنّا هذا ، بل الوجه المخلّص عن الباطل (٢) أنّ كلّ واحدة منها تعقل ذاته ، وهو تعقّله مبدأ النظام الذي يجب أن يكون عنه وذلك صورة ذاته ، فيجوز أن يكون ذلك بالكلّيّة للمبدإ الأوّل.
وأمّا الجزئيّات والتغاير فلا يجوز أن تنسب إليه ، فإذا كان كذلك فإنّ تعقّل كلّ واحدة منها لصورة نظام الخير ـ الذي يمكن أن يكون عنه ـ مبدأ لوجود ما يوجد عنه على نظمه ، فالصور المعقولة التي عند المبدأ مبدأ للصور الموجودة للثواني. ويشبه أن يكون أفلاطن يعني بالصور هذه الصور ، ولكن ظاهر كلامه منتقض فاسد قد فرغ الفيلسوف من بيانه في عدّة كتب ، وإذا كانت كذلك ، كانت عناية الله مشتملة على الجميع (٣). انتهى.
فظهر أنّ وجود العناية ممّا لا بدّ منه في وجود الموجودات ، وهو لا يكون إلاّ بتقدّم العلم الصوريّ بها عليها ، فأمّا وجوب كون هذه الصور المعقولة قائمة بذاته تعالى ، فإنّما لزم لاستحالة سائر الاحتمالات ، على ما مرّ فيما نقلناه عن الشيخ في رسالة منسوبة إليه. وأيضا لكون مناط المعقوليّة ـ على ما هو المعلوم المتحقّق ـ إمّا العينيّة أو القيام بالعاقل.
وأمّا كفاية مطلق الحضور والحصول في التعقّل ، فغير معلومة ، بل في محلّ المنع ؛ فإنّ كون حصول المعلول للعلّة أشدّ من حصول المقبول للقابل في كونه حصولا للغير ممنوع وإن كان الربط آكد.
وكون الأوّل بالوجوب والثاني بالإمكان لا يقتضي إلاّ ذلك ، وهل هذا إلاّ كما يقال : نسبة السواد إلى قابله بالإمكان وإلى فاعله بالوجوب ، والنسبة الأولى منشأ للاتّصاف فأن تكون النسبة الثانية منشأ للاتّصاف أولى.
وهذا ممّا لا يمكن للعقل تصديقه ، كيف؟ والعلم بالشيء يقتضي نسبة مخصوصة ،
__________________
(١) في المصدر : « أن نجعل القوى العالية عشيقة بعمل يتكوّن عنها هذه الفاسدات ».
(٢) في المصدر : « الباطلين ».
(٣) « المبدأ والمعاد » لابن سينا : ٨٤ ـ ٨٥.