وأيضا حينئذ ـ أي حين كون الحاصل من الأشياء في الذهن هو حقائق الأشياء ـ فالمعلوم بالذات هو حقيقة الشيء الخارجي ، وليس المعلوم بالعرض إلاّ خصوص الفرد الخارجي من حيث هو فرد ، فما ذكره لبيان كون العلم الحضوريّ أتمّ من الحصوليّ لا يدلّ على ذلك ، هذا.
ثمّ إنّ هذا البعض اعترض على ما نقلنا من الشيخ في رسالة منسوبة إليه من أنّ المعلوم لو كان هو الصور العينيّة ، لكان كلّ موجود ـ وجودا عينيّا ـ معلوما لنا ، ولكنّا لا نعلم المعدوم : بأنّ هذا كلام في نهاية الضعف ؛ فإنّه لا يلزم من جواز كون الوجود الخارجيّ معلوما في الجملة أن يكون كلّ موجود خارجيّ معلوما لكلّ أحد ؛ لجواز أن يكون معلوميّته مشروطة بشرط لا يتحقّق في كلّ موجود خارجيّ بالنسبة إلى كلّ واحد.
وأيضا لا يلزم من معلوميّة الموجود الخارجيّ انحصار المعلوم فيه حتّى يقال : لو كان الموجود الخارجيّ معلوما ، لكنّا لا نعلم المعدوم.
بل الحقّ الحقيق بالتصديق أنّ العلم بالشيء عبارة عن حصول ذلك الشيء لمن له صلاحية العالميّة ، وحصول شيء لشيء قد يكون بصورته وذلك في العلم الحصوليّ ، وقد يكون بذاته وذلك في العلم الحضوريّ ، وليس كلّ موجود خارجيّ حاصلا بذاته لكلّ أحد ، بل إنّما يحصل الموجود العينيّ بذاته لأمر تحقّق بينهما علاقة وجوديّة مستلزمة لحصوله له كالعلّيّة والمعلوليّة (١). هذا كلامه.
وأقول : مراد الشيخ هو أنّ من المعلوم المتحقّق أنّ العلم بالشيء إنّما يتحقّق بأن يحصل أثر من ذلك الشيء في العالم ، فالعلم هو ذلك الأثر الحاصل في العالم لا الموجود في الخارج ، وإلاّ ـ أعني إن لم يكن الأثر الحاصل هو العلم ، بل الموجود في الخارج ـ لزم أن لا يحصل لنا علم بالمعدوم.
وأيضا لو كان وجود الشيء في الخارج كافيا في العلم به من دون أثر يحصل منه
__________________
(١) في « شوارق الإلهام » : « كالعلّة والمعلول ».