القائم بغيره لا يحصل له نفسه ولا غيره أصلا ، فلا يكون عالما بنفسه ولا بغيره أيضا وضوحا تامّا بحيث لا يبقى فيه ريبة لمنصف. انتهى.
أقول ـ بعد ما مرّ من وجوه ما يرد على العلم الحضوريّ ـ : إنّه لا يخفى أنّ ما ادّعاه من مساوقة الوجود والعلم دعوى من غير بيّنة ، ولم يتّضح ذلك ممّا ادّعى اتّضاحها به.
نعم ، بين العلم وبين الحصول والوجود لمن له صلاحية العلم مساوقة لا مطلقا.
وما ذكره ـ من العلاقة الذاتيّة بين موجودين ـ إن كانت سببا لحصول أحدهما للآخر ، كانت موجبة للعلم ، لكنّ الكلام في أنّ العلاقة الذاتيّة التي بين العلّة والمعلول هل هي موجبة لحصول أحدهما للآخر ، أم لا؟
وقد عرفت أنّها ليست موجبة لذلك ؛ ومع تسليم ذلك كلّه فدعوى كون العلم الحضوريّ أتمّ أفراد العلم وأكملها إنّما تتمّ لو كان العلم الحصوليّ بحصول الشبح والمثال ، لا بحصول الحقائق أنفسها على ما هو مذهب المحقّقين بأجمعهم ؛ فإنّه على تقدير حصول الحقائق بأنفسها يكون المعلوم أو المنكشف بالذات في العلم الحصوليّ هو حقائق الأشياء وماهيّاتها وفي العلم الحضوريّ هو هويّات الأشياء وإنّيّاتها ، وكيف يصحّ القول بأنّ العلم بهويّات الأشياء أتمّ من العلم بماهيّاتها سيّما في الأمور الجسمانيّة المحفوفة بالغواشي المادّيّة؟! وهل هذا إلاّ مثل أن يقال : إنّ الإبصار أتمّ من العلم ، وأنّ الحسّ أكمل في باب الإدراك من العقل؟ ومن يجترئ على أمثال ذلك؟
نعم ، كثيرا ما يمثّل العلم بالبصر ، والمعقول بالمحسوس لكن للعقول العامّيّة الوهمانيّة والمدارك الجمهوريّة الهيولانيّة ، ولذلك قد شاعت الأمثال في الكلام الإلهي وكلمات الأنبياء بل الحكماء أيضا حيث كان المقصود تفهيم الجمهور. وأمّا فيما نحن بصدده فالخطب أعظم من ذلك ؛ ولذلك لم يقع التكليف بمعرفة كيفيّة علمه تعالى.