والحصول والعلم متّحدان بالذات ، متغايران بالاعتبار ؛ فإنّ العلم هو الحصول بوجه التميّز.
ثمّ إنّه من البيّن أنّ كل واحد من الموجودات ليس كذلك ، فلا بدّ في حصول أحد الأمرين الموجودين للآخر بوجه التميّز والانكشاف من أن تتحقّق بينهما علاقة ذاتيّة بحسب الوجود والحصول ، فيكون كلّ أمرين بينهما علاقة الحصول وربط وتعلّق من جهة الحصول عالما بصاحبه إلاّ لمانع ، وإذا لم يتحقّق بين أمرين علاقة ذاتيّة كذلك لا يكون أحدهما عالما أصلا ، فكلّ شيء مستقلّ في الوجود عالم بنفسه ؛ إذ لا علاقة آكد من الاتّحاد ، وكلّ علّة مستقلّة في الوجود عالمة بمعلولها ، وكلّ معلول كذلك عالم بعلّته إذا لم يكن المعلول جسمانيّا ، والعلّة مجرّدة ، فالجسمانيّ لا يتمكّن من أن يعلم المجرّد.
فظهر وتبيّن أنّ العلم إنّما يتحقّق بعلاقة ذاتيّة وجوديّة بين أمرين مستلزمة لحصول أحدهما للآخر وانكشافه لديه وامتيازه عنده ، وتلك العلاقة الذاتيّة الوجوديّة قد تكون بين ذات المعلوم بحسب وجوده العينيّ وذات العالم كما في العلم الحضوريّ بأنواعه ، وقد تكون بين صورة المعلوم وذات العالم كما في العلم الحصوليّ المتحقّق بحصول صورة الشيء في نفس ذات العالم أو في آلته حصولا ذهنيّا ، فالمعلوم الخارجيّ في هذه الصورة يكون معلوما بالعرض ؛ فإنّ العلاقة الوجوديّة المستلزمة للعلم في الحقيقة إنّما هي بين العالم والصورة بخلاف المعلوم بالعلم الحضوريّ بحسب وجوده العينيّ ؛ إذ المعلوم بالذات حينئذ هو نفس ذات الأمر العينيّ ؛ لتحقّق العلاقة الوجوديّة بين نفس ذات ذلك الأمر العينيّ والعالم به ، فالعلم الحضوريّ أتمّ أفراد العلم وأكملها. ومن ذهب إلى أنّ العلم بالغير منحصر في العلم الحصوليّ لا غير ، فقد أخطأ وأنكر أتمّ أفراد العلم وأكملها.
ثمّ قال : ولا يخفى على الخبير أنّه ممّا حقّقناه ـ من أنّ منشأ تحقّق العلم بين الأمرين إنّما هو علاقة ذاتيّة بينهما بحسب الوجود والحصول ـ يتّضح أنّ الأمر