أحدهما : أن يكون الله تعالى زمانيّا بمعنى أنّه يتغيّر أو يقبل التغيّر.
والثاني : أن يكون وجوده في أيّ حال فرض مقارنا لوجود جزء من الزمان.
وعلى هذا الوجه الثاني لا استحالة في كون البارئ تعالى زمانيّا ، وأيّ استحالة في أن يكون سبقه على هذا الجزء من الزمان ، بمعنى أنّه قارن وجوده وجود جزء آخر من الزمان لم يكن هذا الجزء متحقّقا حيث تحقّق ذلك الجزء؟
فإن قيل : هل يطلق على البارئ تعالى أنّ الزمان ظرف له ووعاء كما يطلق على عدم هذا الحادث أنّ الزمان السابق على وجوده ظرف له ووعاؤه؟
قيل : قول القائل : « إنّ عدم هذا الحادث وقع في زمان سابق على وجوده » من باب المجاز الذي دعا إليه ضيق العبارة ، وليس هناك ظرف ومظروف على الحقيقة ، وليس الزمان أمرا يتحقّق فيه معنى الاشتمال والاحتواء ليمكن أن يكون ظرفا ولا سيّما والحادث إنّما يحدث في آن ، والآن عند الأكثرين غير منقسم ، فهو أبعد من معنى الظرفيّة.
والمراد من قولنا : « إنّ عدم الحادث وقع في زمان سابق على زمان وجوده » أنّه صدق على عدم الحادث أنّه متحقّق حين صدق على زمان سابق على وجوده أنّه متحقّق ولم يكن زمان الوجود المشار إليه حينئذ متحقّقا ، ومثل هذا التفسير لا يستحيل إطلاقه على البارئ تعالى ؛ فإنّه يصدق عليه أنّه متحقّق حين صدق على جزء مخصوص من الزمان أنّه متحقّق (١). انتهى.
وأيضا : قياس الأزمنة على الأمكنة مع الفارق ؛ لتقضّي أحدهما وقرار الآخر ، وحضور الأمر التدريجي دفعة ـ ولو عند من لا يتغيّر أصلا ـ واضح البطلان ، وكيف يمكن حضور المعدوم؟! فالتمثيل المذكور غير مطابق للممثّل له إلاّ إذا كان أجزاء الخيط المذكور تدريجيّة ، ومع ذلك تكون حاضرة دفعة عند الشخص الإنسانيّ مثلا وغير حاضرة عند النملة ، ولا ريب أنّها إذا فرضت تدريجيّة لا تكون حاضرة دفعة
__________________
(١) « نقد المحصّل » : ٢٥٠ ـ ٢٥٢.