ما يوجد في كلّ وقت ، فلا يعقل المعدوم منها في الأعيان (١) إلى آخره ، فهو دليل آخر على امتناع كون الصورة المادّيّة ـ من حيث هي مادّيّة ـ معقولة له تعالى ، مبنيّ على تحقّق المضيّ والاستقبال بالنسبة إليه تعالى على الوجه الذي قد مرّ آنفا ، فهذا الكلام المنقول من الشفاء مع المنقول من الرسالة المنسوبة إليه على ما وجّهناه مشتمل على أربع دلائل على عدم تحقّق العلم الحضوريّ ، فتعيّن العلم الحصوليّ ؛ لامتناع الأقسام الأخر بالاتّفاق.
وقد يستدلّ على العلم الحصوليّ بأنّ ذاته تعالى علّة للأشياء وهو عالم بذاته ، والعلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول ؛ فيجب تحقّق العلم بالأشياء في الأزل ، والعلم لا معنى له إلاّ انكشاف المعلوم إمّا بذاته وإمّا بصورته بالضرورة والاتّفاق ، ولا يمكن تحقّق ذوات الأشياء في الأزل ، وإلاّ لزم قدم الحوادث ، فتعيّن تحقّق صورها فيه ، ولا يمكن قيامها بذواتها ولا بموجود آخر ؛ لما مرّ غير مرّة ، فتعيّن قيامها بذاته تعالى ، وهو المطلوب.
ويمكن أنّ يستدلّ بأنّ العلم صفة كمال لا محالة ، فهو صفة حقيقيّة ؛ إذ لا كمال له تعالى بالإضافيّات (٢) ، فيجب أن يكون عين ذاته تعالى أو قائمة (٣) بذاته من ذاته ؛ لامتناع أن يكون ما هو كمال له تعالى ثابتا له من خارج ، لكنّ العلم التفصيليّ بالأشياء يمتنع كونه عين ذاته تعالى ، فتعيّن كونه قائما بذاته من ذاته ، فيجب أن يكون صورا زائدة على ذوات الأشياء قائمة بذاته تعالى ؛ لكون العلم الحضوريّ عين ذوات الأشياء المباينة لذاته تعالى ، ويجب أيضا كونها متقدّمة على ذوات الأشياء ؛ لأنّ العلم المتأخّر عن ذوات الأشياء يكون مستفادا منها كعلمنا بالأشياء ، فيلزم كون ما هو كمال له تعالى مستفادا من خارج ، فتعيّن كون علمه تعالى بالأشياء
__________________
(١) نفس المصدر.
(٢) في « شوارق الإلهام » : « بالإضافات ».
(٣) التأنيث باعتبار الصفة.