وعندي أنّ ذلك ضعيف ؛ لأنّ صدور صورة العقل الثاني ليس بوساطة صورة العقل الأوّل ، بل بوساطة ذات العقل الأوّل ؛ فإنّ وجود العقل الأوّل لمّا كان من لوازمه وجود العقل الثاني ، والعلم بالعلّة والملزوم مستلزم للعلم بالمعلول واللازم صار العلم بالعقل الأوّل ـ أعني صورته ـ مستلزما للعلم بالعقل الثاني أعني بصورته ، وإنّما يلزم كون صدور صورة العقل الثاني بوساطة صورة العقل الأوّل لو كان وجود العقل الثاني من لوازم صورة العقل الأوّل ، وليس كذلك ، بل هو من لوازم وجود العقل الأوّل.
وهذا معنى كلام الشيخ في التعليقات حيث نقلناه (١) سابقا لبيان ترتيب السبب والمسبّب من قوله : مثال ذلك أنّه تعالى علّة لأن عرف العقل الأوّل ، ثمّ إنّ العقل الأوّل هو علّة لأن عرف لازم العقل الأوّل ، فهو تعالى وإن كان سببا لأن عرف العقل ولوازمه ، فبوجه ما صار العقل الأوّل علّة لأن عرف لوازم العقل الأوّل (٢). انتهى.
وممّا اعتمد عليه أيضا أستادنا ـ قدسسره ـ أنّه لو كان علمه بالأشياء بحصول صورها فيه لم يخل إمّا أن تكون تلك اللوازم لوازم ذهنية له أو خارجيّة ، أو لوازم له مع قطع النظر عن الوجودين.
لا سبيل إلى الأوّل والثالث ؛ إذ لا يتصوّر للواجب إلاّ نحو واحد من الوجود ، وهو الوجود الخارجيّ الذي هو عين ذاته ، واللوازم الخارجيّة لا تكون إلاّ حقائق خارجيّة لا صورا علميّة ذهنيّة ، وذلك خلاف ما فرضناه ؛ لأنّ الصور العلميّة تكون جواهرها جواهر ذهنيّة وأعراضها أعراضا ذهنيّة وإن كان الكلّ ممّا يعرض لها في الخارج مفهوم العرض كما سلف تحقيقه (٣).
وهذا أيضا ضعيف ؛ لأنّ انقسام اللازم إلى الأقسام الثلاثة إنّما يصحّ حيث يكون
__________________
(١) انظر ص ١٧٤ ـ ١٧٥ من هذا الجزء.
(٢) « التعليقات » : ١٥٢.
(٣) « المبدأ والمعاد » للصدر الشيرازيّ : ١٠٤ ـ ١٠٧.