يفيض العلم بالغيب والشهادة على الكلّ ، وكما يستحيل أن لا يسمّى الملك الذي بيده المفاتيح غنيّا ، يستحيل أن لا يسمّى الذي عنده مفاتح العلم عالما ، فالفقير الذي يأخذ منه دنانير معدودة يسمّى غنيّا باعتبار أنّ الدنانير في يده ؛ والملك باعتبار أنّ الدنانير من يده وبإفاضته ويفيض منه الغنى على الكلّ كيف لا يسمّى غنيّا؟! فكذلك حال العلم (١). انتهى.
واعترض عليه بأنّه لو انحصر علمه في الإجماليّ ، لزم أن لا يعلم إلاّ ذاته بخصوصها ، ولا يعلم سائر الموجودات بخصوصيّاتها ، ولا يمتاز في نظره بعضها عن بعض.
وفساده أظهر من أن يذكر.
ولزم أيضا أن لا يصدر عنه موجود بالعلم ؛ إذ العلم الإجماليّ ـ كما صرّح به ـ نسبته إلى جميع الموجودات على السويّة ، فلا يصدر عنه معلول دون آخر ، وإلاّ لزم الترجيح بلا مرجّح ، وعدم صدور الموجودات عنه بالعلم مناف لكون علمه تعالى فعليّا.
وبأنّه يجوز أن يعلم الواجب جميع الموجودات بعلوم كثيرة لكن بالتفات واحد ، فلا يشغله شأن عن شأن (٢).
ومنهم من قال : إنّ ذاته علم إجماليّ بجميع الموجودات ، بمعنى أنّه علم بالفعل بخصوصيّات جميع الموجودات عليه وجه يتميّز بعضها عن بعض في علمه تعالى (٣).
وعليه حمل كلام بعض العارفين ؛ حيث قال : نحو العلم هنالك على عكس نحو العلم عندنا ؛ فإنّ المعلوم هنالك يجري من العلم مجرى الظلّ من الأصل ، فما عند
__________________
(١) نحوه في « الأسفار الأربعة » ٦ : ٢٤٢ ؛ « شرح المنظومة » قسم الفلسفة : ١٦٧ ـ ١٦٨.
(٢) « الأسفار الأربعة » ٦ : ٢٤٣ ـ ٢٤٥.
(٣) قاله بعض المتأخّرين في الجواب عن القول السابق ، راجع « الأسفار الأربعة » ٦ : ٢٤٣ ؛ « المبدأ والمعاد » للصدر الشيرازيّ : ١١٩.