الله هو الحقائق المتأصّلة التي تنزل الأشياء منها بمنزلة الصور والأشباح ، فما من الأشياء عند الله أحقّ بها ممّا عند أنفسها ، فالعلم هنالك في شيئيّة المعلوم أقوى من المعلوم في شيئيّة نفسه ؛ فإنّه مشيّئ الأشياء ومحقّق الحقيقة والشيء مع نفسه بالإمكان ؛ فإنّه بين أن يكون وأن لا يكون ، ومع مشيّئه بالوجوب ، ومشيّئ الشيء فوق الشيء ؛ فإنّه الشيء ويزيد ، وإن كان فهم هذا يحتاج إلى تلطّف شديد ، وإذا كان ثبوت نفس الشيء عند العالم حضورا له ، فثبوت ما هو أولى به من نفسه أولى بذلك.
وكذا كلام المحقّق الدواني من أنّ الذي يشبه أن يكون مذهب الحكماء هو أنّ ذاته تعالى عين العلم القائم بذاته ، فهو علم بذاته وعلم بمعلولاته إجمالا.
كما قال بعضهم : إنّ الصورة المحسوسة لو قامت بنفسها ، كانت حاسّة ومحسوسة ، فهذا العلم القائم بذاته هو علم بذاته باعتبار ، وعلم إجماليّ بمعلولاته باعتبار آخر ، والحيثيّة الأولى علّة للحيثيّة الثانية فالمعلولات كلّها حاضرة له تعالى من غير أن يكون فيها كثرة بحسب ذلك الحضور ؛ فإنّ الصورة العقليّة في العلم الإجماليّ واحدة مع كثرة المعلومات على ما تقرّر في موضعه (١). انتهى.
وأورد على هذا المذهب أنّه كيف يتميّز بصورة واحدة مباينة لحقائق مختلفة تلك الحقائق المختلفة في نظر العالم؟! وهل هذا إلاّ تمايز المعدومات الصرفة (٢)؟
ومنهم من قال : إنّ ذاته تعالى علم إجماليّ بالموجودات كلّها بخصوصيّاتها لكن لا على أن يتميّز بعضها عن بعض ؛ فإنّ العلم شيء ، والتميّز شيء آخر ، والأوّل لا يوجب الثاني على ما حقّق في موضعه (٣).
وهذا أيضا بعد التسليم كالأوّل في أنّه كيف يمكن أن يعلم معلومات مختلفة
__________________
(١) انظر « الأسفار الأربعة » ٦ : ٢٣٨ ـ ٢٤٠ ؛ « المبدأ والمعاد » للصدر الشيرازيّ : ١١٩.
(٢) نفس المصدر.
(٣) قاله بعض المتأخّرين في الإيراد على القول السابق ، كما ذكر ذلك الصدر الشيرازيّ في « الأسفار الأربعة » ٦ : ٢٤١.