لتفهيم كون ذاته تعالى علما بجميع الأشياء تفصيلا ، ويتبيّن معنى عنايته بها في صدورها عنه عن علم ، وذلك لا يستدعي حصول الصور حقيقة في ذاته تعالى متميّزا بعضها عن بعض ، بل يكفي فيه كون ذاته تعالى بحيث لو اعتبرها العقل وفصل ما اشتملت هي عليه بعنوان الوحدة من الموجودات المعلولة ، لحصل في العقل الصور المتكثّرة المطابقة لتلك الموجودات حقيقة ، فعبّروا عن تلك الحيثيّة ـ المستدعية لحصول الصور في العقل بالاعتبار المذكور ـ بحصول الصور في ذاته كما هو شائع في الاعتباريّات ؛ فإنّهم يقولون : إنّ الماهيّة البسيطة مركّبة من الأجزاء العقليّة ، ومعنى التركّب هو حصول الأجزاء في المركّب ، وليس للأجزاء العقليّة ـ كالجنس والفصل ـ حصول حقيقة في الماهيّة البسيطة ، بل حصولهما في الحقيقة إنّما هو في العقل ، لكن لمّا كان ذلك الحصول في العقل بسبب ملاحظته إيّاها من جهتين منها هما : جهتا ما به الاشتراك وما به الامتياز ، جعلوا حصولهما في العقل حصولا في الماهيّة ، واعتبروها مركّبة منهما في العقل ، وكذا الحال في الاعتبارات العرضيّة للماهيّات ، وكون ذاته تعالى العالمة بذاتها بالحيثيّة المذكورة كاف في صدور الأشياء عنه تعالى عن علم.
واستدعاء صدور النظام شيئا أزيد من الحيثيّة المذكورة ممنوع ، وكذا استدعاء علمه تعالى بالماهيّات ـ من حيث هي ماهيّات ـ ذلك ؛ فإنّ كونه تعالى عالما بشيء ـ من شأنه أن يحلّله العقل إلى ماهيّة ووجود ـ كاف في علمه تعالى بالماهيّة والوجود معا ، فليتفطّن.
وبهذا يمكن أن يوجّه ما مرّ في كلام ابن رشد من أنّ ذاته تعالى ليس شيئا أزيد من عقل (١) النظام ، فليتدبّر.
وممّا يؤيّد هذا التدقيق أنّ الغزاليّ في « التهافت » نقل مذهب الشيخ على أنّه قائل
__________________
(١) في المصدر : « من تعقّل النظام ».