الكسوف لا يكون إلاّ واحدا بعينه.
وهذا لا يدفع الكلّيّة إن تذكّرت ما قلناه قبل ، ولكنّك مع هذا كلّه لم يجز أن تحكم في هذا الآن بوجود هذا الكسوف أولا وجوده إلاّ أن تعرف جزئيّات الحركات بالمشاهدة الحسّيّة (١).
ثمّ قال : فإن منع مانع أن يسمّى هذا معرفة للجزئيّ من جهة كلّيّة ، فلا مناقشة معه ؛ فإنّ غرضنا الآن في غير ذلك ، وهو في تعريفنا أنّ الأمور الجزئيّة كيف تعلم وتدرك علما وإدراكا يتغيّر معهما العالم ، وكيف تعلم وتدرك علما واحدا وإدراكا لا يتغيّر معهما العالم ؛ فإنّك إذا علمت أمر الكسوفات كما توجد أنت ، أو لو كنت موجودا دائما ، كان لك علم لا بالكسوف المطلق ، بل بكلّ كسوف كائن ، ثمّ كان وجود ذلك الكسوف وعدمه لا يغيّر منك أمرا ؛ فإنّ علمك في الحالين يكون واحدا ، وهو أنّ يكون كسوفا له وجود بصفات كذا بعد كسوف كذا ، أو بعد وجود الشمس في الحمل كذا ، في مدّة كذا ، ويكون بعد كذا ، وبعده كذا ، ويكون هذا القصد (٢) منك صادقا قبل ذلك الكسوف ومعه وبعده ، فأمّا إن أدخلت الزمان في ذلك ، فعلمت في آن مفروض أنّ هذا الكسوف ليس بموجود ، ثمّ علمت في آن آخر أنّه موجود ، لم يبق علمك ذلك عند وجوده ، بل كان يحدث علم آخر ، ويكون فيك التغيّر الذي أشرنا إليه ، ولم يصحّ أن تكون في وقت الانجلاء على ما كنت قبل الانجلاء وأنت زمانيّ وآنيّ ، والأوّل الذي لا يدخل في زمان وحكمه ، فهو بعيد أن يحكم حكما في هذا الزمان ، وذلك الزمان من حيث هو فيه ومن حيث هو حكم جديد أو معرفة جديدة (٣).
وقال في « الإشارات » : الأشياء الجزئيّة قد تعقل كما تعقل الكلّيّات من حيث
__________________
(١) « الشفاء » الإلهيّات : ٣٦٠.
(٢) في « شوارق الإلهام » و « الشفاء » : « العقد » بدل « القصد ».
(٣) « الشفاء » الإلهيّات : ٣٦١ ـ ٣٦٢ ، الفصل السادس من المقالة الثامنة.