وأقول : على القول بالعلم الحضوريّ لا حاجة إلى ذلك التطويل ، ولا إلى الفرق بين من تعلّق بزمان ومكان ، ومن لم يتعلّق بهما ؛ فإنّ مناطه ليس إلاّ تحقّق الإضافة الحضوريّة ، ألا ترى أنّ صاحب الإشراق يرى الإبصار بالإضافة الإشراقيّة للنفس إلى المبصرات ، ويرى علمها بالبدن والقوى بالإضافة التسلّطيّة إليهما مع تعلّقهما بالزمان والمكان (١).
وهذه الإضافة الحضوريّة متحقّقة ـ على قولهم ـ بين البارئ تعالى ، وبين جميع معلولاته في أوقات وجوداتها.
ولا حاجة أيضا إلى كون نسبته تعالى إلى جميع الأزمنة واحدة في ذلك مع أنّ ذلك ليس من مذهبه ، وإلاّ فأيّ حاجة إلى الفرق بين المعلولات (٢) القريبة والبعيدة بكون علمه تعالى بالأولى بحضور ذواتها العينيّة ، وبالثانية بحصول صورها في الأولى على ما عرفت من مذهبه؟ وحينئذ فلا حاجة أيضا إلى نفي حكمه تعالى بعدم شيء ممّا مضى أو يستقبل في الحال ، ولا فرق بينه وبين المدرك الأوّل في ذلك.
نعم ، أمثال ذلك إنّما تلائم مذهب من زعم أنّه ليس بالنسبة إليه تعالى ماض ولا حال ولا مستقبل ، بل نسبة جميع الأزمنة إليه تعالى كنسبة جميع الأمكنة ، وأنّه لا يتغيّر بالنسبة إليه تعالى شيء من الأشياء ، بل التغيّر إنّما هو فيما بينهما ، وبقياس بعضها إلى بعض ، كما مرّ في المباحث السابقة ، وقد قلنا هناك : إنّ هذا المذهب متوهّم من هذا الكلام من المصنّف. كيف؟ ولو كان مراد المصنّف ذلك ، لما صحّ منه ما ذكرناه ، ولما صحّ أن يحكم أنّ ذلك إنّما يوجب التغيّر في معلوماته ومعلولاته والإضافات التي بينه وبينها ؛ فإنّه إذا لم يكن التغيّر واقعا بالنسبة إليه تعالى ،
__________________
(١) « المطارحات » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » ١ : ٤٨٤ ـ ٤٨٧. وانظر « حكمة الإشراق » ضمن « مصنّفات شيخ الإشراق » ٢ : ٩٧ ـ ١٠٣.
(٢) في « شوارق الإلهام » : « بين المعلومات ».