الأمكنة والأزمنة كلّها كطيّ السجلّ للكتب ؛ فإنّ القارئ للسجلّ يتعلّق نظره بحرف حرف على الولاء ، ويغيب عنه ما تقدّم نظره إليه أو تأخّر عنه.
أمّا الذي بيده السجلّ مطويّا فيكون نسبته إلى جميع الحروف نسبة واحدة لا يفوته شيء منها.
وظاهر أنّ هذا النوع من الإدراك لا يمكن إلاّ لمن يكون غير زمانيّ وغير مكانيّ ، ويدرك لا بآلة من الآلات ولا بتوسّط شيء من الصور ، ولا يمكن أن يكون شيء من الأشياء ـ كلّيّا أو جزئيّا ، على أيّ وجه كان ـ إلاّ وهو عالم به ، فلا يسقط من ورقة إلاّ يعلمها ، ولا حبّة في ظلمات الأرض ، ولا رطب ولا يابس إلاّ وجميعها يثبت عنده في الكتاب المبين ، الذي هو دفتر الوجود من كلّ شيء ممّا مضى أو حضر أو يستقبل أو يوصف بهذه الصفات على أيّ وجه كان.
أمّا العلم بالجزئيّات على الوجه الجزئيّ المذكور ، فهو إنّما يصحّ لمن يدرك إدراكا حسّيّا بآلة جسمانيّة في وقت معيّن (١).
وكما ترى أنّ البارئ تعالى يقال (٢) : إنّه عالم بالمذوقات والمشمومات والملموسات ، ولا يقال (٣) : إنّه ذائق أو شامّ أو لامس ؛ لأنّه منزّه عن أن يكون له حواسّ جسمانيّة ولا يثلم ذلك في تنزيهه تعالى ، بل يؤكّده ، فكذا نفي العلم بالجزئيّات المشخّصة على الوجه المدرك بالآلات الجسمانيّة عنه لا يثلم في تنزيهه بل يؤكّده ، ولا يوجب ذلك تغيّرا في ذاته الوحدانيّة ولا في صفاته الذاتيّة التي تدركها العقول [ و ] إنّما يوجب التغيّر في معلولاته (٤) والإضافات بينه وبينها فقط ، فهذا ما عندي من التحقيق في هذا الموضع (٥). انتهى كلام المصنّف في شرح الرسالة.
__________________
(١) في المصدر و « شوارق الإلهام » : « في وقت معيّن ومكان معيّن ».
(٢) كذا ، والأصحّ : « يقال له » و « لا يقال له ».
(٣) كذا ، والأصحّ : « يقال له » و « لا يقال له ».
(٤) في المصدر و « شوارق الإلهام » : « في معلوماته ومعلولاته ».
(٥) « شرح مسألة العلم » : ٣٨ ـ ٤١.