يكون؟ بل إذا تعيّن شخص منهما ـ كهذا الإنسان أو هذه الخمسة والعشرة ـ فقد يتعلّق بهما بسبب تشخّصهما ـ بهذه (١) العبارة : فنعود إلى المقصود ونقول : إذا كان المدرك متعلّقا بزمان أو مكان ، فإنّما يكون هذه الإدراكات منه بآلة جسمانيّة لا غير كالحواسّ الظاهرة والباطنة أو غيرها ؛ فإنّه يدرك المتغيّرات الحاضرة في زمانه ، ويحكم بوجودها ، ويفوته ما يكون وجوده في زمان غير ذلك الزمان ، ويحكم بعدمه ، بل يقول : إنّه كان ، أو سيكون ، وليس الآن ، ويدرك المتكثّرات التي يمكن له أن يشير إليها ، ويحكم عليها بأنّها في أيّ جهة منه ، وعلى أيّ مسافة إن بعدت عنه.
وأمّا المدرك الذي لا يكون كذلك ، ويكون إدراكه تامّا ، فإنّه يكون محيطا بالكلّ ، عالما به بأنّ أيّ حادث يوجد في أيّ زمان من الأزمنة وكم يكون من المدّة بينه وبين الحادث الذي يتقدّمه أو يتأخّر منه ، ولا يحكم بالعدم على شيء من ذلك بل بدل ما يحكم المدرك الأوّل بأنّ الماضي ليس موجودا في الحال يحكم هو بأنّ كلّ موجود في زمان معيّن لا يكون موجودا في غير ذلك الزمان من الأزمنة التي تكون قبله أو بعده ، ويكون عالما بأن كلّ شخص في أيّ جزء يوجد من المكان ، وأيّ نسبة يكون بينه وبين ما عداه ممّا يقع في جميع جهاته ، وكم الأبعاد بينهما جميعا على الوجه المطابق للوجود ، ولا يحكم على شيء بأنّه موجود الآن أو معدوم ، أو موجود هناك أو معدوم ، أو حاضر أو غائب ؛ لأنّه ليس بزمانيّ ولا مكانيّ ، بل نسبة جميع الأزمنة والأمكنة إليه نسبة واحدة.
وإنّما يختصّ بالآن ، أو بهذا المكان ، أو ذاك المكان ، أو بالحضور والغيبة ، أو بأنّ هذا الجسم قدّاميّ أو خلفيّ أو تحتيّ أو فوقيّ من يقع وجوده في زمان معيّن ومكان معيّن ، وعلمه تعالى بجميع الموجودات أتمّ العلوم وأكملها ، وهذا هو المعنيّ بالعلم بالجزئيّات على الوجه الكلّيّ ، وإليه أشير بطيّ السماوات التي هي جامعة
__________________
(١) أي : ثمّ قال بعد تمهيد مقدّمة ... بهذه العبارة.