آفة ، ثمّ إذا سبرنا صفات الحيّ ، لم نجد ما يصحّح قبوله لهما سوى كونه حيّا ، ولزم القضاء بمثل ذلك في حقّه تعالى.
وإمّا أنّه لا خفاء في أنّ المتّصف بهما أكمل ممّن لا يتّصف بهما ، فلو لم يتّصف البارئ تعالى بهما ، لزم كون الإنسان ، بل سائر الحيوانات أكمل منه تعالى ، وهو باطل قطعا ، على ما ذكره الغزاليّ (١).
ويرد على الأوّل : أنّه يتوقّف على كونه تعالى حيّا بحياة مثل حياتنا المصحّحة للسمع والبصر وهو ممنوع.
وعلى الثاني : أنّ كون المتّصف بهما أكمل ممّن لا يتّصف بهما مسلّم في الشاهد. وأمّا في الغائب ، فهو ممنوع ، بل هو أوّل المسألة.
وأيضا وجوب كونه تعالى منزّها عن النقائص ثابت عندهم بالإجماع ، والظواهر الدالّة على ثبوت السمع والبصر أقوى جدّا من الظواهر الدالّة على حجّيّة الإجماع ؛ لكثرة المنوع والاعتراضات عليها.
فالأولى التمسّك في إثبات السمع والبصر بالظواهر القطعيّة ابتداء.
قال شارح المواقف في المحصّل : إنّ المسلمين اتّفقوا على أنّه تعالى سميع بصير ، لكنّهم اختلفوا في معناه ، فقال الفلاسفة والكعبيّ وأبو الحسين البصريّ : ذلك عبارة عن علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات. وقال الجمهور منّا ومن المعتزلة والكراميّة : إنّهما صفتان زائدتان على العلم.
وقال ناقده : أراد فلاسفة الإسلام ؛ فإنّ وصفه تعالى بالسمع والبصر مستفاد من النقل ، وإنّما لم يوصف بالذوق والشمّ واللمس ؛ لعدم ورود النقل. وإذا نظر في ذلك من حيث العقل ، لم يوجد له وجه سوى ما ذكره هؤلاء ؛ فإنّ إثبات صفتين شبيهتين بسمع الحيوانات وبصرها لا يمكن بالعقل.
والأولى أن يقال : لمّا ورد النقل بهما آمنّا بذلك وعرفنا أنّهما لا يكونان إلاّ
__________________
(١) نفس المصدر.