وحكى الفاضل القوشجي عن الأكثرين ـ القائلين بأنّ البقاء ليس صفة زائدة ـ أنّهم استدلّوا عليه بوجوه :
« أحدها : أنّ المعقول منه استمرار الوجود ، ولا معنى لذلك سوى الوجود من حيث انتسابه إلى الزمان الثاني.
وثانيها : أنّ ذات الواجب لو كان باقيا بالبقاء الذي هو ليس نفس ذاته ، لما كان الوجود لذاته ؛ لأنّ ما هو موجود لذاته فهو باق لذاته ؛ ضرورة أنّ ما بالذات لا يزول أبدا ، وإذا فسّر البقاء بصفة يعلّل بها الوجود في الزمان الثاني ، لكان لزوم المحال أظهر ؛ لأنّه يؤول إلى أنّ الواجب موجود في الزمان الثاني لأمر سوى ذاته.
واعترض [ عليه ] صاحب الصحائف (١) بأنّ اللازم ليس إلاّ افتقار صفة إلى صفة أخرى ، ولا امتناع فيه كالإرادة تتوقّف على العلم ، والعلم على الحياة.
وردّ بأنّ افتقاره في الوجود إلى أمر سوى الذات ينافي الوجوب بالذات.
أقول : فيعود إلى الوجه الأوّل ؛ إذ لا بدّ في إتمامه من أنّ البقاء وجود خاصّ ، فباقي المقدّمات مستدرك.
وثالثها : أنّ الذات لو كان باقيا بالبقاء لا بنفسه ، فإن افتقر صفة البقاء إلى الذات ، لزم الدور ؛ لتوقّف ثبوت كلّ في الزمان الثاني على الآخر ، وإن افتقر الذات إلى البقاء مع استغنائه عنه ، كان الواجب هو البقاء لا الذات ، هذا خلف ، وإن لم يفتقر أحدهما إلى الآخر ، بل اتّفق تحقّقهما معا ـ كما ذكره صاحب المواقف (٢) ـ لزم تعدّد الواجب ؛ لأنّ كلاّ من الذات والبقاء يكون مستغنيا عمّا سواه ؛ إذ لو افتقر البقاء إلى شيء آخر ، لافتقر إلى الذات ؛ ضرورة افتقار الكلّ إليه ، والمستغني عن جميع ما سواه واجب قطعا.
__________________
(١) نقله التفتازانيّ عنه في « شرح المقاصد » ٤ : ١٦٦ وكذا في « مفتاح الباب الحادي عشر » : ١٢٠.
(٢) « شرح المواقف » ٨ : ١٠٧.