وجوه ناظرات يوم بكر.
وأنّ قائله شاعر من أتباع مسيلمة الكذّاب. والمراد بيوم بكر يوم القتال مع بني حنيفة ؛ لأنّهم بطن من بكر بن وائل. وأراد بالرحمن مسيلمة ، وعلى هذا فالجواب ظاهر.
وفي الثالث أي يرون سجاله ، ويجوز كون النظر المجرّد من الصلة للرؤية كما مرّ آنفا.
الثاني : النظر الموصول بـ « إلى » موضوع لتقليب الحدقة ، لا للرؤية ؛ لاتّصافه بما لا يتّصف به الرؤية مثل الشدّة ، والشزر ، والازورار ، والرضى ، والتجبّر ، والذلّ ، والخشوع ، وشيء منها لا يصلح صفة للرؤية ، بل هي أحوال يكون عليها عين الناظر عند تقليب الحدقة نحو المرئيّ ، ولتحقّقه مع انتفاء الرؤية يقال : نظرت إلى الهلال فما رأيته. ولو كان بمعنى الرؤية ، لكان تناقضا ، و: لم أزل أنظر إلى الهلال حتّى رأيته. ولو حمل على الرؤية لكان الشيء غاية لنفسه ، و: أنظر كيف ينظر فلان إليّ. والناظر لا ينظر إلى الرؤية ، بل ينظر إلى تقليب الحدقة.
وقال الله تعالى : ( تَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) (١) وتقليب الحدقة ليس هو الرؤية ، ولا ملزومها لزوما عقليّا حتّى يجب من تحقّقه تحقّقها ، بل لزوما عاديّا مصحّحا للتجوّز ، وجعله مجازا عن الرؤية ليس بأولى من حمله على حذف المضاف ، أي ناظرة إلى ثواب ربّها على ما ذكره عليّ عليهالسلام (٢) وكثير من المفسّرين (٣).
وأجيب بأنّ النظر مع إلى نصّ في الرؤية ، بشهادة النقل عن أئمّة اللغة ، والتتبّع لموارد استعماله ، وليس حقيقة في تقليب الحدقة.
قولكم : يقال : نظرت إلى الهلال فلم أره. قلنا : لا يصحّ نقله من العرب ، بل يقال :
__________________
(١) الأعراف (٨) : ١٩٨.
(٢) « تفسير الطبريّ » ١٢ : ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ؛ التفسير الكبير ١٠ : ٧٣١ ـ ٧٣٢ ؛ « مجمع البيان » ١٠ : ١٩٨ ـ ٢٠١ ؛ « الصافي » ٥ : ٢٥٦ ، ذيل الآية ٢٣ من سورة القيامة (٧٥) ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ١٩٤ ؛ المغني » ٤ : ٢٢٩ ـ ٢٣٠.
(٣) « تفسير الطبريّ » ١٢ : ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ؛ التفسير الكبير ١٠ : ٧٣١ ـ ٧٣٢ ؛ « مجمع البيان » ١٠ : ١٩٨ ـ ٢٠١ ؛ « الصافي » ٥ : ٢٥٦ ، ذيل الآية ٢٣ من سورة القيامة (٧٥) ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ١٩٤ ؛ المغني » ٤ : ٢٢٩ ـ ٢٣٠.