وقوله تعالى حكاية عن موسى عليهالسلام : ( تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) (١) معناه التوبة عن الجرأة والإقدام على السؤال بدون الإذن ، أو عن طلب الرؤية في الدنيا ، ومعنى الإيمان التصديق بأنّه لا يرى في الدنيا وإن كانت ممكنة.
وما قال بعض السلف ـ من وقوع الرؤية بالبصر ليلة المعراج (٢) ـ فالجمهور على خلافه. وقد روي أنّه سئل عليه الصلاة والسلام : هل رأيت ربّك؟ فقال : رأيته بفؤادي (٣). وأمّا الرؤية في المنام ، فقد حكي القول بها عن كثير من السلف (٤).
ومنها : قوله تعالى لموسى عليهالسلام : ( لَنْ تَرانِي ) (٥) ولن للتأبيد ، وإذا لم يره موسى أبدا ، لم يره غيره إجماعا.
والجواب : منع كون لن للتأبيد ، بل هو للنفي المؤكّد في المستقبل فقط ؛ لقوله تعالى : ( وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً ) (٦) أي الموت ، ولا شكّ أنّهم يتمنّوه في الآخرة للتخلّص عن العقوبة.
ومنها : قوله تعالى : ( وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ ) (٧) حصر تكليمه تعالى للبشر في الوحي إلى الرسل ، وتكليمه لهم من وراء الحجاب ، وإرساله إيّاهم إلى الأمم ليكلّمهم على ألسنتهم ، وإذا لم يره من يكلّمه في وقت الكلام ، لم يره في غيره إجماعا ، وإذا لم يره هو أصلا ، لم يره غيره أيضا ؛ إذ لا قائل بالفرق.
والجواب : أنّ التكليم وحيا قد يكون حال الرؤية ؛ فإنّ الوحي كلام يفهم بسرعة.
__________________
(١) الأعراف (٧) : ١٤٣.
(٢) « شرح المقاصد » ٤ : ٢١٠.
(٣) « الدرّ المنثور » ٧ : ٦٤٨ ؛ « أنوار التنزيل » ٣ : ٣٣٧ ، ذيل الآية ١١ من سورة النجم (٥٣).
(٤) « شرح المقاصد » ٤ : ٢١٠.
(٥) الأعراف (٧) : ١٤٣.
(٦) البقرة (٢) : ٩٥.
(٧) الشورى (٤٢) : ٥١.