فعلى الأوّل لذهب كلّ إله بما خلق ؛ حذرا عمّا ذكر.
وعلى الثاني لكان بعض الآلهة عاليا محتاجا إليه ، وبعضهم دانيا محتاجا ، وكلّ منهما فاسد ؛ إذ الأوّل ـ مع كونه خلاف الوجدان والعيان ـ خلاف اعتقاد المشركين القائلين بتعدّد الإله لكلّ مخلوق. والثاني يستلزم وحدة الإله المستقلّ ، بل عدم كون الشريك من أفراد الواجب بالذات الغنيّ بالذات ، وهو خلاف المفروض.
ومن هذا يمكن فهم المراد من الآية الأولى ؛ لاقتضاء استقلال كلّ فرد أن يتعلّق إرادة بعض ببقاء السماوات والأرض ، والآخر بإعدامهما ، فإذا تعارضا وتعادلا ، بقي المعلول بلا مبق ففسدتا ؛ الاحتياج الباقي إلى المؤثّر ، فلا يرد أنّ الغنيّ المطلق الكامل لا يعارض غنيّا آخر مثله ، وأنّه حال الممكن كالسلاطين الذين يدفع بعضهم بعضا. ويدلّ على ذلك أنّه قال : ( لَفَسَدَتا ) ولم يقل : لأفسدوا.
ومنها : قوله تعالى : ( اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ) (١).
ومنها : قوله تعالى : ( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ) (٢).
ومنها : قوله تعالى : ( وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ ) (٣).
ومنها : قوله تعالى : ( قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) الآية (٤).
ومنها : قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) الآية (٥).
__________________
(١) البقرة (٢) : ٢٥٥ ؛ آل عمران (٣) : ٢ ؛ النساء (٤) : ٨٧ ؛ طه (٢٠) : ٨٠ ؛ النحل (٢٧) : ٢٦ ؛ التغابن (٦٤) : ١٣.
(٢) البقرة (٢) : ١٦٣.
(٣) آل عمران (٣) : ٦٢.
(٤) آل عمران (٣) : ٦٤.
(٥) النساء (٤) : ٤٨ و ١١٦.