أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ). (١)
قال الطبرسي في جوامع الجامع : « والمعنى أنّ الموعود ـ من إظهار آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم ـ سيرونه ويشاهدونه ، فيتبيّنون عند ذلك أنّ القرآن تنزيل عالم الغيب الذي هو على كلّ شيء شهيد ، أي مطّلع مهيمن يستوي عنده غيبه وشهادته ، فيكفيهم ذلك دليلا على أنّه حقّ ، وأنّه من عنده ». (٢)
والظاهر أنّ المراد الاستدلال بالحقّ ـ الشاهد على كلّ شيء ـ على وجوده ، بمعنى أنّ آثار وجوده تعالى متحقّقة في الأنفس والآفاق من جهة ملاحظة أصل الوجود واختلاف الألسنة والألوان والحجم والاستحكام وأمثال ذلك من الآثار الممكنة المحتاجة إلى المدبّر القادر العالم الحكيم ، فبعد ملاحظتها يظهر أنّ الواجب الوجود بالذات موجود حقّ ، فبمشاهدة الأثر يحكم بوجود المؤثّر ، وبملاحظة أنّ وجود الأثر مستند إلى وجود المؤثّر يدرك وجود الحقّ في كلّ شيء حتّى كأنّه مشاهد ، فيكفي مشاهدته في الحكم بوجوده تعالى على وجه أجلى وأحلى وأعلى وأغلى وأولى ؛ لأنّه برهان إنّيّ كالبرهان اللمّيّ.
وتوهّم (٣) أنّ المراد أنّه استدلال بالحقّ على الحقّ على وجه الحقيقة فاسد ؛ لأنّه يتمّ على مذهب من يقول بوحدة الوجود ، كما لا يخفى ، وهو كفر وزندقة.
__________________
(١) فصلت (٤١) : ٥٣.
(٢) « جوامع الجامع » : ٤٢٦.
(٣) هذا تعريض من الأسترآباديّ ; بطريقة العرفاء ، وليس مرادهم ما فهمه هو ، بل طريقتهم معضدة بعدّة من الروايات. انظر في ذلك « التوحيد » باب التوحيد ونفي التشبيه : ٥٧ ـ ٥٨ / ١٥ وباب صفات الذات ... : ١٤٣ / ٧ حول هذا المبحث راجع « الفتوحات المكّيّة » ١١ : ٣٤٣ ؛ ٤ : ٣٧ ؛ « شرح فصوص الحكم » للقيصريّ : ٣٨٨ و ٥٠٥ ؛ « التأويلات » للكاشانيّ ٢ : ٤٢٢ ؛ « جامع الأسرار » : ١٠٥ وما بعدها ؛ « الأسفار الأربعة » ١ : ١٣٥ ؛ ٣ : ٣٩٦ ؛ ٥ : ٢٧ ؛ ٦ : ١٣ ـ ٢٦ ؛ ٩ : ٣٧٤ ـ ٣٧٦ ؛ « شرح المشاعر » : ٣٦٩ وما بعدها ؛ « شرح الأسماء الحسنى » للسبزواريّ : ٤٣٦ ـ ٤٣٩ ؛ « روح البيان » ٨ : ٤٨٤.