وقوله تعالى : ( إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) (١) و ( لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (٢) ( أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى ) (٣) ونحو ذلك معنى وهي لكثرتها تأبى عن وصول يد التأويل إليها.
فإن قلت : قد ورد في الآيات والأخبار ما يقتضي القول بالجبر كالآية المذكورة ونحوها من الآيات والأخبار والأدعية.
قلت أوّلا : إنّها لا تدلّ إلاّ على إسناد (٤) أفعال العباد إلى الله تعالى في الجملة ، وهي أعمّ من الاستناد على وجه التأثير بلا واسطة ، والاستناد على وجه التأثير بواسطة ، والمرجعيّة والمفيد هو الأوّل لا الثاني ، والعامّ لا دلالة له على خصوص بعض الأفراد.
وثانيا : إنّها ـ لمعارضتها الأدلّة العقليّة والنقليّة الكثيرة التي لا حصر لها ـ لا بدّ من تأويلها بخلاف ما ذكرنا ؛ فإنّها ـ مع عدم وجود الداعي على تأويلها ، بل وجود الداعي على إبقائها على ظواهرها ـ لا يصل إلى أكثرها يد التأويل ، مضافا إلى أنّ قدرته تعالى عامّة ، فيقدر على خلق مخلوق قادر وإن كان قدرته مستندة إليه تعالى ، فالمقتضي ـ وهو عموم قدرته ـ موجود ، والمانع مفقود ، فلا بدّ من خلق مخلوق قادر.
فإن قلت : إنّه تعالى لمّا كان في الأزل عالما بفعل العبد ، فلو كان العبد قادرا بحيث إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ، لزم كون علمه تعالى جهلا في صورة عدم الفعل ، فهو المانع عن كون العبد مختارا.
قلت : هذا مردود بالنقض والحلّ.
__________________
(١) العصر (١٠٣) : ٢.
(٢) الأنعام (٦) : ١٦٤ ؛ الإسراء (١٧) : ١٥ ؛ فاطر (٣٥) : ١٨ ؛ الزمر (٣٩) : ٧.
(٣) النجم (٥٣) : ٣٩.
(٤) في « أ » : « استناد ».